الرمق الأخير

mainThumb

27-01-2008 12:00 AM

استناداً الى المثل القائل المي بالبير بدها تدبير ، قرر أبو يحيى أن يتعامل مع جرة الغاز بطريقة مختلفة لتكفيه عشرة ايام تحت اي ظرف جوي كان.. مطبقاً سلسلة اجراءات تكتيكية توفيرية من شأنها أن تطيل عمر الجرّة الى ابعد حد..

زرته يوم أمس فتركني مكروزاً في البرد أكثر من نصف ساعة وهو يسأل الأولاد عن مفتاح شقّ (28) لتبديل الجرّة الفارغة دون ان يستجيب أحد لطلبه ، تشرّبتُ برد المضافة كلها بجسدي الملموم ، وبدأت أسناني تصطك وأكتافي ترتجف ومع ذلك كنت أقول له مجاملاً : ما في داعي للصوبة الجو دافي ..لم يكترث ابو يحيى لمجاملتي الزائفة ، فظل يفتش أرجاء الدار غرفة غرفة بحثاً عن المفتاح (28) لتركيب جرة غاز صدئة قرب الباب.. أخيراً اكتشف أن أم يحيى قد بدّلت جرّة الفرن هذ الصباح وتركت المفتاح (28) على ظهر الثلاجة فشرع بتركيب اسطوانة الفرن الفارغة على صوبتنا ليتم تمصيصها نهائياً وهو يتمتم شاتماً: (....شغل النسوان).

جلس قبالتي وأسنانه تصطك ايضا?Z فسألته عن استهلاكه الشهري من الغاز، أخبرني أنه منذ بداية هذا العام أسس نظرية النسبية الخاصة به والتي تختلف كل الاختلاف عن نسبية اينشتاين.قال لي : صوبة الغاز مكوّنة من ثلاث شعلات ، وعدد افراد عائلتي 12 فردا ، نظرية النسبية تبعتي تتناسب عكسياً مع عدد الأفراد ، مثلاً ان كنّا ثلاثة في الغرفة سأضطر الى ابقائها على ثلاث شعلات ، واذا كنّا ستة في الغرفة اضبطها على شعلتين..واذا صرنا تسعة اشخاص في الغرفة أضبطها على شعلة واحدة فقط..ثم قال: غالبا ما يكون جميع الأفراد الأثنا عشر هنا..سألته ماذا تفعل في هذه الحالة ؟ قال اطفىء الصوبة ونتفرج عليها..فزفيرهم يكفي..

نظرت الى قرب الباب فوجدت طشتا وبقلبه ابريق بلاستيك..قلت له هل تتوضأ هنا في غرفة الضيوف ؟ ضحك وقال : لا، هذه الأدوات تعود لجمعية الرفق بالجرة فقد عيّنت ثلاثة من أبنائي يحيى وعبّود وخولة ليعتنوا بالجرة اذا ما قصر وهجها وشارف الغاز على النفاد منها..مهمّتهم الأساسية، أن يضعوا الجرّة في الماء الساخن ويسكبوا عليها من الأبريق. قليل من المساج والتدليك، قليل من التحريك..يطيل عمر الشعلة ساعات اضافية ..وان لزم الأمر يقومون بعمل مغاطس ميه وملح للجرة..

بعد قليل حضر فتى منفوش الشعر أصفر الوجه ، أخرج الجرة من جوف الصوبة دون أن يتكلّم وبدأ يهزّها بشدّه ، قلت له : المحروس، الله يخليه من جمعية الرفق بالجرة ..قال: ابداً ، هذا ابني شلاش من (هيئة تنشيط قطاع الاسطوانات)..فابتسمت بوجه شلاش تعبيراً عن ارتياحي له، فلم أستقبل رداً لهذا الارتياح ..بعد قليل..تراجع لهب الصوبة كثيراً حتى اصبح بحجم شعلة القدّاحة ..أخرج ابو يحيى سيجارة من جيبه وأشعلها من اللهب المحتضر مستغلاً الرمق الأخير من الجرة ، وما ان فرغ من اشعال سيجارته حتى انطفأت الصوبة تماماً..قال لشلاش: شوف شغلك..رفعها شلاش الى فوق وانزلها عشر مرات دون جدوى، بطحها ، دحلها ، قلبها ، سكب ماء مغلياً عليها ، استخدم كل طرق التعذيب والتنكيل ، فلم ينل منها حرف احتراق او حرف اعتراف واحد..اخيراً أخرج شلاش مفتاح (28) من جيبه وفك الجرّة ..ثم عتلها على كتفه وأدخلها الى غرفة المعيشة .

سألت ابو يحيى : وين ماخذها جوّه ؟ بده يبدّلها؟.

قال ابو يحيى :لسّه ، فيه حلفان يمين!!..

ahmedalzoubi@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد