انفجار بريستو غزة وعودة الحديث عن الخيار المصري والاردني

mainThumb

27-01-2008 12:00 AM

تتابع مصر ومن ورائها الاردن تداعيات خرق الحدود بين قطاع غزة المحاصر منذ أشهر ورفح المصرية بعد تفجير جزء من السياج الحدودي قبل أربعة ايام وما تبعه من عبور زهاء 700 الف فلسطيني, نصف عدد سكان القطاع تقريبا, بحثا عن أدنى متطلبات الحياة والعلاج قبل ان تلتقط القاهرة أنفاسها وتفرض إجراءات عاجلة لضبط الفوضى الحدودية.

لعل مصر تستهدف من إرجاع الغزييّن وإغلاق المعبر إلى منع إسرائيل من استغلال انفجار "طنجرة الضغط" العفوي أو المخطط لالحاق غزّة بمصر على أمل خروجها من أزمة استمرار التفاوض مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية حتى لا تلتزم بمطلب إقامة تسوية شاملة ونهائية على أساس الدولتين.

مصر- كبرى الدول العربية من حيث عدد السكان- لا تحتمل الوضع الراهن كثيرا. وإسرائيل تسعى على ما يبدو لاستغلال حالة التشظّي والانفجار الأهلي في غزّة من أجل التنصل من التزاماتها تجاه القطاع كجزء- الأكثر كثافة سكانية في العام والمكدس باللاجئين- من الارضي الفلسطينية المحتلة. وحماس توظّف "تنفيسة البخار" على أمل انقاذ سلطتها وضرب مصداقية الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

في هذا التقييم تطابق كامل بين الموقف المصري والاردني.

ثمّة رغبة أردنية بعدم خلق واقعة جديدة في العلاقات بين مصر وغزة لكي لا تتورط هي لاحقا في "مخطط مماثل" يهدف الى استدراجها لضم ما تبقى من "الدولة الفلسطينية" في الضفة الغربية المشرذمة بفعل المستعمرات والجدار العازل على حساب أمن واستقرار المملكة, حيث نصف السكان أصلا من أصول فلسطينية.

مصر والاردن يشعران اليوم أنهما في مركب واحد تتلاطمه الأمواج العاتية في اقليم يموج بعدم الاستقرار أمام إدارة أمريكية تصطف الى جانب إسرائيل على حساب مصالحها في المنطقة وعلاقاتها التاريخية مع الحلفاء العرب.

هذان البلدان- العربيان الوحيدان المرتبطان بمعاهدتي سلام مع إسرائيل- لا يريدان الانجرار الى أي سيناريو للتقاسم الوظيفي مع جوارهما المحتل وعمقهما الاستراتيجي الأمني بينما تتهرب اسرائيل من استحقاق قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة.

وليس ثمّة رغبة معلنة في عمان والقاهرة على إعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل الاحتلال عام ,1967 حين كانت الضفة الغربية جزءا من الأردن وغزّة تابعة لمصر.

فصل قطاع غزة عن الضفة والحاقه بمصر بين السيناريوهات التي وضعتها القيادة الاسرائيلية للتعامل مع المشكلة الأمنية في القطاع الذي انسحبت منه عام 2005 من دون تنسيق مع الشريك الفلسطيني. هذا السيناريو يتمحور حول عزل القطاع خلف ستار حديدي وإجبار مصر رغما عنها تزويد الغزيين بحاجاتهم من الطاقة والمواد الغذائية والأدوية, وصولا الى مرحلة تضطر فيها الدولة المصرية الى ضمّه.

ويذهب بعض المسؤولين الإسرائيليين إلى أنّ هكذا مخرج سيسهل على إسرائيل طرح الخيار الأردني في الضفة الغربية بعد سرقة حوالي 60 % من أراضيها. وبذلك يدفن حلم قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة في الضفّة وغزة.

لكن في العودة إلى الحديث عن الخيار الاردني لحل القضية الفلسطينية بداية انتحار سياسي للمملكة.

فالرئيس المصري حسني مبارك والملك عبدالله الثاني على اتصال مباشر ومستمر لتنسيق المواقف هذه الأيام حيال "الاوضاع المأساوية" التي يمر بها الاقليم عامة وغزّة خاصة بعد سيطرة حماس عليها منذ انقلابها العسكري على السلطة الوطنية الفلسطينية الصيف الماضي.

تقول مصادر رسمية أن عمان والقاهرة أجرت اتصالات مع الجهات الراعية لعملية السلام أوضحت فيها أن محاولة اسرائيل فصل قطاع غزة "يضرب عملية السلام" و"ينهي تفاهمات أنابوليس".

أعلنت عمّان عن اتصالين هاتفيين بين الملك وكل من بوش والعاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز, فيما التقى مدير عام دائرة المخابرات العامة اللواء محمد الذهبي ووزير الخارجية صلاح البشير في القاهرة يوم الخميس بنظريهما اللواء عمر سليمان واحمد ابو الغيط.

تتضمن التصريحات المعلنة قدرا كبيرا من الدبلوماسية والعودة إلى منطلقات أنابوليس برعاية أمريكية, لكنها بالتأكيد تخفي قدرا كبيرا من التوجس وعدم اليقين.

الأردن ومصر يتحركّان دوليا وإقليميا لوقف ممارسات إسرائيل وتصعيدها تجاه أبناء الشعب الفلسطيني بالتزامن مع عملية سلام هشّة فيما يبدو كسبا للوقت لحين قدوم إدارة إسرائيلية جديدة بدلا من أن تنجح إسرائيل في فرض سياسة الأمر الواقع.

التنسيق بين البلدين في تناسل مستمر ربما لأنهما باتا يشعران بضرورة الاستمرار في قيادة ما تبقّى من الإجماع العربي في هذه الظروف المصيرية, بخاصة بعد تفكك ما كان يعرف ب¯ تحالف دول "الاعتدال العربي" أو "الرباعية العربية".

كان التحالف نسج بين القاهرة, عمّان, أبو ظبي والرياض قبل عام ونصف بهدف الاتفاق على موقف الحد الادنى مما يجري في فلسطين, العراق ولبنان ولغة مشتركة للتعامل حيال أمريكا وإيران بهدف حماية مصالح هذه الأقطاب في إقليم متغيّر بخاصة بعد انهيار العراق, دخول المارد الايراني على خط الأزمات وامساكه بمفاتيح التسوية في البؤر الساخنة.

تحالف الرباعية تراجع في شباط 2007 بعد أن وقّع الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتفاقا برعاية سعودية مع زعيم حماس الفعلي خالد مشعل في مكة المكرمة. بعد أشهر فشل الاتفاق إذ انقلبت حماس على السلطة في غزّة وتلّقت الدبلوماسية السعودية صفعة مؤلمة.

غضبت السعودية لعدم قيام الرئيس عباس ومشعل باحترام ما توصلا إليه في مهد الإسلام.

وبالتالي أضحى الموقف الاشكالي من حماس داخل أطراف المجموعة احد العوامل الذي أثر على تصدع التحالف.

يبدو ان مصالح السعودية الآنية تدفعها للعمل على احتضان مكة 2 الرياض قد تجد نفسها اقرب لحماس لانها تريد مقاومة الضغوط الأمريكية والإسرائيلية المتنامية عليها لممارسة التطبيع مع اسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية. وفي ذلك نسف للمبادرة العربية للسلام ولمؤتمر انابوليس وإحراجا للرياض أمام قاعدتها الشعبية ومس بشرعيتها الدينية. مكّة 2 هو الحل الواقعي أمام الرياض الآن, خصوصا وأن بوش جاء بخفي حنين فضلا عن عبثية التفاوض مع حكومة إسرائيلية لا ترغب في السلام.

مصر لها حسبة مختلفة من حماس مبعثها حساسية من طريقة تعامل الرئيس عباس مع الإدارة المصرية. تشعر مصر بأن رئيس الوزراء الاسرائيلي إيهود اولمرت ونظيره الفلسطيني الضعيف يهمشان الدور المصري ويخوضان محادثاتهما بعيدا عن الجميع قبل وبعد مؤتمر انابوليس. تتساءل القاهرة لماذا يطلب من مصر دعم العملية السلمية وهي بعيدة عما يدور فيها منذ قبل مؤتمر انالوليس.

يسرب دبلوماسيون وساسة عرب استياء مصريا من حركة حماس بسبب اختراقها الحدود. وهي ترى في ذلك خرقا فاضحا لسيادتها ومحاولة لتصدير الخلافات الفلسطينية إلى المسرح العربي. لم تستطع التعامل بقسوة مع الغزيين لاعتبارات داخلية أقلّها تعاطف الشارع مع الفلسطينيين المحاصرين وعلاقات النظام المتوترة مع الإخوان المسلمين, حلفاء حماس.

مصر ستتعامل مع مشعل بقسوة أكثر لان ما سمح به قبل أيام يهدد أمن مصر. برأي الساسة, كان بإمكان مشعل عدم حشر المصريين بالزاوية من خلال الابقاء على تهريب الأدوية والمأكل والأسلحة والمال عبر أنفاق المنطقة الحدودية بدلا من الإجراء الإستفزازي واستخدام دروع بشرية لاحراج مصر وخدمة البعد الاسرائيلي لتصدير ازمة المفاوضات السلمية.

الرئيس حسني مبارك رفض في كلمة في عيد الشرطة محاولات زج مصر في الخلافات بين الفلسطينيين. وقال :"مصر تعي تماماً اعتبارات أمنها القومي ولن تفرط فيها, ولن نسمح لأحد بأن يقترب منها أو يحاول اختراقها". وكشف أن التعامل مع حماس يتم بحذر ومن دون تمكين أطراف أخرى بالفوز بمكاسب على حساب المصريين والفلسطينيين في آن.

في ضوء هذه المعمعة تتضعضع سلطة عباس. ويظل الأردن حليفه الوحيد عربيا ودوليا. ولا تعتزم عمان إعادة تأهيل حماس قبل تراجعها عن انقلاب الصيف وتوقفها عن "استهداف الساحة الأردنية نشاطا وعبر محاولات تجنيد أتباع من داخل وخارج التيار الاسلامي. تفيد مصادر مطلّة على الملف الإخواني أن مشعل طلب من قيادات إسلامية أردنية على هامش مؤتمر المقاومة في دمشق الأسبوع الماضي تنظيم مسيرات حاشدة على الساحة الأردنية لإعادة تلميع صورتها بعد الانتخابات الأخيرة.

اذا اجبرت مصر على ضم غزة ستدفن مسيرة السلام المنهارة رسميا ذلك يهدد مصالح الاردن الاستراتيجية السياسية الامنية.

مصر, بحسب دبلوماسيين, تدرك حجم الخطر وتعارض مثل هذا الاجراء. المصريون لا يريدون غزة لانها عبء أمني ولأنها ستضطر لللعب دور الشرطي في مواجهة حماس. عندها سيجلس أولمرت مع مبارك لتنفيذ الشق الامني المتعلق بخارطة الطريق بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

لكن هناك بعض المخاوف لدى ساسة ومراقبين من ان تضطر مصر لاحقا الى قبول مثل تلك الترتيبات ضمن صفقة اكبر متعلقة بالبعد الداخلي ومنها ضمان توريث جمال مبارك رئاسة الجمهورية مستقبلا. وهناك خوف من أن إخفاق الإدارة الامريكية المقسومة على نفسها والتي تتحدث بمئات الاصوات في التدخل بحزم لمنع هكذا سيناريو خاصة أنها على ابواب انتخابات رئاسية. وفي حال وقع السيناريو الكارثي وضمت غزة لمصر ستتوجه الماكنة الاسرا-امريكية للدفع باتجاه خنق الفلسطينيين في الضفة لكي يستنجدوا بالأردن بطريقة سلمية ومن دون تكرار حادثة تدمير الجدار الحدودي. وبالتالي إرغامه على لعب دور الشرطي. على الأقل لن يتكرر سيناريو تفجير الحدود مع الاردن لان الوضع بين الجارين مختلف. فلا انفاق تربط الأردن بالضفة الغربية ولا تواجد لصواريخ القسام الحماسية ولا وجود قوي لحماس بسبب النفوذ الإسرائيلي والفتحاوي.

اسرائيل تتسابق مع الزمن ومعنية بتطويع الحقائق على الأرض وبترحيل ازمتها مع مفاوضات السلام لتعيد تصنيع المعادلة التي تعتقد انها ستضمن امنها ومستقبلها ضمن قيام كيان فلسطيني مؤقت يلحق بالأردن ومصر التي ترتبط معهما بمعاهدات سلام.

تل أبيب مسرورة من نتائج زيارة بوش الاخيرة الى المنطقة وتصريحاته المقصودة حول خلق آلية جديدة لتعويض اللاجئين وتوطينهم في دول الشتات بدلا من تفعيل قرارات الشرعية الدولية التي تضمن حق العودة والتعويض اضافة الى اعترافه الضمني بالمستوطنات على الاراضي العربية المحتلة وبغور الاردن حدا بين الاردن واسرائيل. وبذلك يعطل مبادرة السلام العربية ويتراجع عن قرارات الشرعية الدولية وينسف عملية السلام التي راهن عليها الاردن وغيره من دول الاعتدال العربي.

بانفجار "بريستو" غزة تخسر دول الاعتدال مرة اخرى ويكسب محور إيران وسورية وحلفاؤه حماس وحزب الله جولة جديدة بدأت بقيام ايران بتعطيل الوفاق السياسي في العراق وإصرار سورية على افشال الاستحقاق الرئاسي واصرار حماس على فصل غزة عن الضفة الغربية من اجل ان تقيم امارتها عليها وادارة المعبر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد