اقتحام معبر رفح، أيُّة رسالة؟! .

mainThumb

24-01-2008 12:00 AM

اقتحام آلاف الفلسطينيين معبر رفح أمس بمثابة رسالة سياسية بامتياز موجهة إلى النظام الرسمي العربي بالدرجة الأولى، الذي تسير المياه من تحت أقدامه من دون أن يحرّك ساكناً أو يحاول التفكير جدياً بخطأ الرهانات والتوقعات التي صاغها في الفترة الأخيرة في سياق أنابوليس وما بعده!

ربما قيل الكثير عن جولة الرئيس بوش الأخيرة إلى المنطقة، لكن أبرز دلالات الجولة هي إحباط النظم العربية الصديقة والحليفة للولايات المتحدة من تصريحات بوش ووعوده، إذ جاءت مخيبة للآمال ولا تحقق الحد الأدنى الذي يمكن أن يتعاطى معه الرئيس عبّاس مع كامل "مرونته السياسية" المعروفة، ولا أظن أحداً بقادر على تمرير تصور الرئيس بوش، الذي ينطلق من تقدير كامل لما تمليه الرؤية الاستراتيجية الإسرائيلية فحسب.

للتذكير؛ بدأ الحشد السياسي الرسمي العربي قبل عام تقريباً بما يسمى "تفعيل المبادرة العربية للسلام"، وارتفع سقف التوقعات العربية بتحريك العملية السياسية تحت وطأة فرضيات خاطئة تقوم على حاجة الولايات المتحدة الأميركية الماسة لتأييد عربي في مواجهة النفوذ المتصاعد لإيران في المنطقة، على خلفية برنامجها النووي، وهو "الموقف" الذي يمكن أن يقايضه العرب بالضغط على الولايات المتحدة بتحريك عملية السلام وفرض حلول تاريخية حاسمة على إسرائيل.

أمّا الفرضية الثانية، التي بنيت عليها التوقعات العربية، فتمثلت برغبة بوش تعويض إخفاقه التاريخي في العراق بإنجاز حقيقي على المسار السلمي، بحيث يترك بصمة تاريخية جيدة له بعد نهاية عهده الثاني، أو على الأقل أن يقطع الرئيس بوش خطوات كبيرة باتجاه التسوية السلمية، تاركاً "وديعة" يمكن البناء عليها لاحقاً.

تكثفت الخطوات العربية بعد قمة الرياض في آخر آذار 2007، فيما سمي بهجوم "السلام العربي"، وتسويق مبادرة السلام، ودفعت الأطراف العربية بصورة حثيثة نحو ملتقى أنابوليس، الذي حاولت النظم العربية إثارة الأضواء الجانبية الباهرة على هامشه حول دعم الفلسطينيين والمشاريع الاقتصادية، لكن ذلك لم يُغطِّ على فشل "متن أنابوليس" وابتلاع العرب لكافة الكلام المتفائل الذي كنا نسمعه حول التسوية النهائية.

ما علاقة ما حدث في معبر رفح، بالسياق التاريخي السابق؟

في الحقيقة العلاقة وثيقة، وتتمثل بأنّ رهان العرب على أنابوليس توازى تماماً مع رهان آخر على دعم الرئيس عباس وسلطة رام الله في مواجهة حركة حماس. وللأمانة الموقف من حماس ليس مرتبطاً بدرجة رئيسة بموقفها من التسوية، بقدر ما هنالك من توجّس رسمي عربي من "الإسلام السياسي" والصعود المطّرد له في السنوات الأخيرة، فقد واجهت الحركة مناخاً واضحاً من الجفاء الرسمي العربي، وتحريضا للرئيس عباس على مواجهة الحركة بعد الانتخابات التشريعية مباشرة، واستمر ذلك إلى الآن.

ربما كان اتفاق مكة، بالرعاية السعودية، المحاولة الرسمية الوحيدة لاختراق الحاجز العربي تجاه حماس، لكن الحركة لم تستثمر في ذلك جيداً. ثم أتت أحداث غزة، لتعمق الفجوة بين النظام العربي وحركة حماس. بل خرج علينا بعض السياسيين والكتاب العرب بالقول: "رُب ضارة نافعة"؛ فقد زجت حماس بنفسها في أنياب ورطة كبيرة، وتعزز سيناريو "الضفة أولاً"، الذي بني بدوره على فرضيات خاطئة أيضاً?Z.

ما حصل أنّ الرسميين العرب وصلوا إلى قناعة بأنّ سياق أنابوليس يتلاشى، بخاصة بعد تقرير الاستخبارات الأميركية حول وقف إيران برنامجها النووي، ما دفع بالمنطقة إلى حالة "غموض استراتيجي" حقيقية.

لن تستطيع النظم العربية تجاهل حالة الإحباط والغضب الشديد المتجذرة في الشارع العربي. وظهر ذلك جليّاً بصورة المتظاهرين المصريين الذين اشتبكوا مع الشرطة وسط القاهرة بالأمس، وقد خرج - قبل ذلك - النواب من البرلمان المصري إلى مقر جامعة الدول العربية، بالتزامن مع اعتصامات ومسيرات اجتاحت المدن العربية من موريتانيا إلى عمان، بينما كان المتظاهرون الفلسطينيون يقتحمون حاجز رفح أمس، من دون أن يثوروا ضد حماس، كما كانت التوقعات الرسمية العربية، وهي إشارة واضحة بأنّ الشارع الفلسطيني والعربي أصلب من دغدغة الوعود بتحسن اقتصادي وسياسي، لن يأتي به المسار الرسمي العربي الحالي!.

من المستبعد أن يكون الأمن المصري قد سمح لآلاف الفلسطينيين بعبور رفح من دون وجود قرار سياسي على مستوى رفيع جداً، لكن هذا القرار ليس محاولة للتنفيس عن الشارع الفلسطيني والعربي، كما قد تذهب بعض التحليلات، بقدر ما يمثل مؤشراً واضحاً على عدم قدرة النظم العربية على الوقوف طويلاً أمام حالة الاحتقان والغضب الشعبي العارم وتهافت كل رواياتها ومواقفها بصورة سافرة في الفترة الأخيرة.

نعم؛ المطلوب حوار فلسطيني - فلسطيني ينهي الوضع المتردي، لكن في خلفية المشهد يكمن الموقف العربي الرسمي الذي شجّع سابقاً ودفع بالفلسطينيين إلى ساحة الصراع والأزمة الداخلية. فالحوار الفلسطيني لن يكتب له النجاح إذا استمر الموقف العربي العدائي من حركة حماس، استناداً إلى إطارها الفكري والسياسي.

على الجهة المقابلة؛ فإنّ الحكومات العربية مطالبة اليوم باستعادة أوراق القوة التي أهدرتها خلال المرحلة السابقة، في ذروة تفاؤلها الوهمي، ومن أبرز هذه الأوراق البحث عن الأساليب والوسائل التي يمكن دعم الفلسطينيين فيها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وإعادة توحيد الضفة وغزة، وقف التطبيع المجّاني مع إسرائيل، والحد من تقديم عروض مغرية، ثبت أنّها رفعت سقف التوقعات الإسرائيلية من التنازلات العربية من دون أن ترفع سقف المفاوض الفلسطيني.

اقتحام معبر رفح رسالة واضحة بضرورة إعادة النظر في البدائل الاستراتيجية العربية تجاه الفلسطينيين.

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد