رجل مواقف

mainThumb

28-01-2008 12:00 AM

رغم الإختلاف معه على قضايا كثيرة، ليس من بينها الأساسيات، إلا أنه لا يمكن إلا إحترامه فهو صاحب موقف وهو شكل جزءاً من التاريخ الفلسطيني الذي هو جزءٌ رئيسي من تاريخ العرب كلهم، البعيدون والقريبون، وهو لم يكن في أي يوم من الأيام لا بندقية للإيجار ولا لساناً غبّ?Z الطلب ولقد إختلف مع ياسر عرفات لكنه لم يتهمه في وطنيته وذلك رغم أن بعض الذين عملوا في إطار الجبهـة الشعبية، التي بقي قائداً لها حتى تنحيه في عام 2000، وهنا يجب وضع عشرة خطوط تحت كلمة بعض ، حاولوا التغــريب والتشريق ولم يترددوا في الإساءة إلى أبو عمار عندما ضغطت عليه أضلاع الجغرافيا السياسية خلال وبعد حصار طرابلس في الشمال اللبناني في العام 1983 حيث ساهم مساهمــة رئيسية في إنقاذه من سطوتها الأردن الذي استضاف المجلس الوطني الشهير في عام 1984 في عمان والذي لولا إنعقاده لأختلف سيناريو المسيرة الفلسطينية.

أمس الأول رحل ( الحكيم ) جورج حبش بعد حياة حافلة بدأها بتأسيس حركة القوميين العرب، التي أسسها مع الدكتور وديع حداد عندما كانا طالبين في الجامعة الأميركية في بيروت وكان معهما هاني الهندي من سوريا وأحمد الخطيب من الكويت، والتي كان محور منطلقاتها، خلافاً لحـــزب البعث الذي كان محور منطلقاته الوحدة العربية ، قضية فلسطين وكان شعارها : دم حديد نار .. وحدة تحرر ثار .

بعد هزيمة حزيران ( يونيو ) 1967 حلّ?Z الدكتور جورج حبش حركة القوميين العرب كتنظيم وشكل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي كانت، قبل أن يضربها داء الإنشقاقات، هي الفصيل الثاني في الحركة الوطنية الفلسطينية المسلحة بعد حركة فتح وكان الحكيم قد أُعتقل في دمشق عندما كان الثنائي نورالدين الأتاسي - صلاح الجديد على رأس نظام البعث هناك والتهمة كانت السعي لإقامة جبهة وطنية في سوريا مــــن القوى والتنظيمات والتيارات ذات الميول الناصرية لإسقاط هذا النظام، الذي كان يُتّ?Zهم بالتطرف، ردّاً على هذه الهزيمة الحزيرانية المنكرة .

تمثلت مشكلة الدكتور جورج حبش في الإنشقاقات التي أوجعت قلبه والتي ضربت الجبهة الشعبية بعد إنطلاقها بنحو عامين ثم بعد ذلك وكان الإنشقاق الأول هو إنشقاق أحمد جبريل الذي شكل فصيلاً خاصاً به هو الجبهة الشعبية - القيادة العامة ثم إنشقاق نايف حواتمة الذي تزعم الجبهة الديموقراطية ولايزال والذي قام بإنشقاقه ذلك بحجة يمينية رفيق دربه وبحجة يساريته هو ويسارية تنظيمه الذي هو بدوره قد تعرض لإنشقاق تزعمه ياسر عبدربه أصبح إسمه حزب فداء المقرب الآن من السلطة الوطنية الفلسطينية.

لم يفقد الدكتور جورج حبش إتزانه المعهود ولا إحترام حتى الذين يخالفونه الرأي فهو إنساق مع ظاهرة إختطاف الطائرات لكنه مالبث أن تراجع عنها وانتقدها وهو تفهم ظاهرة العنف التي أطلقها رفيق دربه الدكتور وديع حداد في البدايات لكنه لم يتردد في رفضها رفضاً مطلقاً وفي وقت مبكر وهو تبنى الماركسية - اللينية إنسياقاً مع موجة سبعينات القرن الماضي لكنه بقي قومياً وبقي عروبياً وبقي يتمسك بأنه لا تحرير لفلسطين بدون العرب والعروبة .

كان له موقف رافض لمعظم توجهات وسياسات منظمة التحرير المتعلقة بعملية السلام وما يمكن تسميته المساومة التاريخية لكنه وقف ، ومعه للإنصاف نايف حواتمة، ضد كل محاولات شق هذه المنظمة .. لقد كان ذلك في العام 1984 على أثر إخراج ياسر عرفات من طرابلس اللبنانية وتوجهه إلى القاهرة والمؤكد أن عدم حضور الجبهـة الشعبية ، مثلها مثل الجبهة الديموقراطية، مؤتمر المعارضة الفلسطينية الأخير قد جاء على هذه الخلفية وجاء إسترشاداً بقناعات جورج حبش على هذا الصعيد .

في تشرين الثاني ( نوفمبر ) العام 1988 عندما أعلن عرفات قيام الدولة الفلسطينية خلال إجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في قصر المؤتمرات في الجزائر لم يستطع الدكتور جورج حبش ضبط عواطفه وأجهش في بكاء حار شاركه فيه بعض كبار القادة الفلسطينيين مثل صلاح خلف ( أبو إياد ) وأبو علي مصطفى .. رحمهم الله جميعاً .. لقد كان الحكيم رجل مواقف وكان يصادق برجولة ويخاصم برجولة والآن إذْ هو يرحل بعد تاريخ نضالي طويل فإن مرحلة مهمة في التاريخ الفلسطيني المعاصر تطوي صفحة رئيسية .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد