من ينصف أساتذة الجامعات؟ .

mainThumb

27-01-2008 12:00 AM

بدايةً أود أن أشكر الحكومة الأردنية على إقرار الأنظمة المالية للعاملين في الجامعات الأردنية، وكذلك لا بد من الإشادة بالحكومات الأردنية لما تتمتع به من ذكاء وقدرة على ضبط النفقات –عندما يتعلق الأمر بزيادة رواتب موظفي الجامعات من أكاديميين وإداريين، فقد بقيت تلك الأنظمة لسنواتٍ عجافٍ تنتظر البحث والإقرار، وكانت الزيادات المقترحة فيها تبدو معقولة في الوقت الذي وضعت فيه تلك الأنظمة، ولكن الأمر تغير كثيرا بعد سنتين أو يزيد، وتغير أكثر بعد إعلان الحكومة عن خطتها لتحرير الأسعار وما سيؤدي إليه ذلك من ارتفاعات كبيرة وغلاء لا يخفى على المتابع حجمه الهائل وأثره السلبي على المواطن مهما كان دخله.

سيقول قائل: نحن لا يعجبنا العجب و"ندبُّ" الصوت لأهون الأسباب، ولكننا نؤكد من جديد أن مستوى رواتب الأساتذة في الجامعات الأردنية لم يعد يفي إلا بمعيشة الكفاف – هذا في أحسن الأحوال- وهي لم تعد تعبر عن المكانة التي يجب أن يتمتع بها عضو الهيئة التدريسية في المجتمع.

والداعي لهذا الحديث هو منطق "الاستغفال" أو"الاستهبال" الذي يفوح من إقرار الأنظمة المالية للعاملين في الجامعات الأردنية بعد سنوات من اقتراحها وبأقل من الأرقام القديمة. أساتذة الجامعات لا يتسولون من أحد حقوقهم ولا ينبغي للمعلمين ومربيّ الأجيال أن يكونوا كذلك، لكن الوضع في الجامعات الأردنية – ذات التاريخ المشرق والمستقبل المجهول- يحتاج إلى تصويب من عدة نواحٍ وأولها، تحسين مستوى المعيشة للعاملين فيها كخطوة أولى ، ومن ثم إعادة النظر في سياسات القبول وأعداد الطلبة في الفصول الدراسية ودعم البحث العلمي مضمونا لا شكلا ، فالجميع يتباكى على مستوى البحث العلمي في الجامعات الأردنية ولو علم صنّاع القرار أن المدّرس في الجامعة الأردنية – مثلا- ُيطلب منه في كل فصل دراسي إعطاء حوالي 150 محاضرة ولطلبة معدل عددهم في الفصل الواحد لا يقل عن 40 - 80 طالب وقد يزيد العدد كثيرا عن ذلك مع ما يعنيه ذلك من جهود و متاعب في إدارة وقت المحاضرة وفتح المجال لحوارات علمية تنمي لدى الطلبة مهارات الاتصال والتفكير والحوار واحترام ثقافة الإختلاف والرأي و الرأي الآخر، وكذلك المعاناة الكبيرة في تقييم اختبارات هذا العدد الضخم وغير القياسي للطلبة وتحضير المادة العلمية لحوالي 150 محاضرة ومواكبة الجديد في حقل التخصص.

يضاف إليه أعباء إدارية ومشاركة في اللجان الداخلية للكليات والجامعة وأعمال الإدارة ومتابعة شؤون الطلبة، كما علينا أن ندخل في الحسبان أن المدرّس هو إنسان ومواطن يعيش هموم الحياة والمجتمع ويتأثر بالمحيط الحيوي شأنه في ذلك شأن باقي خلق الله.

وبعد كل هذا الجهد فإن أستاذ الجامعة سيكون " خارقا" إذا استطاع إجراء بحث علمي ذي قيمة. فكيف يمكن لبحث علمي أن يتطور في ظروف كهذه؟! إن أي حديث عن تحسين أو تشجيع البحث العلمي سيظل يدور في حلقة مفرغة أمام الصعوبات المذكورة أعلاه، وإذا كانت الدولة – بالوسائل التقليدية والتنظير والتباكي - عاجزة عن تشجيع البحث العلمي النافع الذي يشكل إضافة للمعرفة الإنسانية وحل مشكلات المجتمع، فلماذا لا يتم التفكير بوسائل جديدة غير تقليدية لدعم البحث العلمي وتشجيعه، ولماذا لا يتم تخصيص علاوة للبحث العلمي تتمثل بملبغ مالي مجزٍ لكل بحث علمي مقيم ومنشور؟ فقد يكون الحافز الاقتصادي أقوى وأدعى عند البعض، ولماذا لا يتم ربط العبء الدراسي لأساتذة الجامعات بمستوى توقعاتنا منهم على صعيد إعداد البحوث العلمية؟ ولماذا الإصرار على الشكوى من تراجع المستوى العام للتعليم العالي في حين أن كل المعطيات المتوفرة تؤدي إليه؟ .

لن أختم هذه المقالة كما هو متوقع مني بالمطالبة بإعادة النظر في الأنظمة المالية للعاملين في الجامعات الأردنية لجهة تحسين مستوى الزيادات الواردة فيها وبما يتناسب مع المستجدات الاقتصادية على الصعيد الوطني، ولكني سأترك المقالة مفتوحة النهاية، لتعبر عن حالة الإحباط التي تسود الأوساط الأكاديمية، فبعد سنوات من الاغتراب والشقاء والعلم والتعلم في أرقى جامعات الدنيا، عدنا إلى وطننا متحمسين لخوض معركةٍ مشرفةٍ نناضل فيها لمساعدة أهلنا وقرانا وبوادينا والأخذ بيد مجتمعاتنا نحو التطور والدخول إلى عصر المعرفة، ولكننا- وبحسرة- وجدنا أنفسنا في معركة أخرى – أقل تشريفاً- نناضل فيها من أجل دينار هنا ودينار هناك!! .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد