من المؤكد أن أمريكا تدرك جيداً أن هناك خطاً أحمر روسياً لا تمتلك روسيا سوى الدفاع عنه بكل ما تملك، ذلك لأهميته ومصيريته بالنسبة لأمنها ومصالحها وهو إستنزاف وإضعاف سورية، وقد كان للموقف الروسي من الأزمة السورية ولقدرة الجيش السوري على الصمود والتصدي للقوى المتطرفة دور كبير على المواجهة والثبات، وقد تكون دمشق هي المحطة المفصلية التي ستحسم هذا الصراع الذي يمتد ويتسع لدول مختلفة، والذي على أساسه سيتحدد توازن العلاقات الدولية وخريطة المنطقة لسنوات قادمة.
لقد أثبتت المعطيات صواب الموقف الروسي تجاه الأزمة السورية، والذى يتمحور حول ضرورة التوصل إلى حل سياسى لا يقصي أي طرف من الأطراف، ويحافظ في الوقت نفسه على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش العربي السوري ودعمه ليكون قادراً على طرد كل الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها داعش من الأراضي السورية، لذلك كانت المحادثات التي أجراها وزيرا الدفاع الأمريكي والروسي قبل أيام وهي أول محادثات مباشرة بينهما منذ ما يزيد على عام، تعكس نوع من التجاوب لهذا الطرح من جانب أمريكا التى كانت تتخذ موقفا متشدداً يقوم على إبعاد الرئيس الأسد عن قيادة البلاد قبل الدخول في أي حل للأزمة، ودعم المعارضة وتوابعها لفرض سيطرتها على المناطق السورية، كما بدأت أمريكا فى الحديث عن الحل السياسي وفقاً لإتفاق جنيف، وأن مناقشة وضع الأسد أمر سابق لآوانه الآن ويمكن تأجيله الى مرحلة لاحقة.
في سياق متصل إعترفت واشنطن بدور موسكو الإيجابي تجاه الأزمة السورية من حيث ترحيبها بمشاركة كل من روسيا وايران فى الجهود الراهنة لحل الازمة السورية وتكثيف الجهود المشتركة لمواجهة داعش، وقد أعلن وزير الخارجية الأمريكي كيري عن ذلك أثناء لقائه مع نظيره البريطاني فيليب هاموند فى لندن حين قال "بضرورة المفاوضات وإنها ما يبحث عنه"، فيما أعرب عن أمله في التوصل الى مساعدة روسيا وإيران وغيرها من البلدان ذات التأثير فى هذه القضية، وأضاف كيري نحن مستعدون للمحادثات، فهل روسيا مستعدة لإقناع الرئيس الأسد بالجلوس وراء طاولة المفاوضات؟، وفي السياق ذاته أكد الوزير الأمريكي أهمية تعزيز وتوحيد جهود مختلف الدول من أجل تسوية النزاع، مشيراً إلى ضرورة إستئناف بذل الجهود للبحث عن حل سياسي فى سورية، كل هذا جاء متسقاً ومنسجماً ضمن الحوار الذي دار بين وزيري الدفاع الروسي والأمريكي بشأن المواقف تجاه مكافحة الارهاب فى المنطقة، فضلاً عن الإستعداد لعقد جولة جديدة من الحوار فى إطار موسكو"3" إستعداداً لجنيف"3"، من منطلق تأكيد الرئيس بوتين ثوابت موقفه بهذا الشأن ومنها أن مصير الرئيس الأسد رهن إرادة الشعب السوري الذي وحده يملك حق اتخاذ قراره بشأنه، بالإضافة الى ضرورة تحقيق الأمن والإستقرار في سورية والقضاء على الإرهاب وإجتثاثه من جذوره.
وفي سياق آخر كشفت الحكومة السورية عن موافقة دمشق على مبادرة الرئيس بوتين بشأن تشكيل جبهة إئتلافية مضادة للإرهاب في الشرق الأوسط ، والذي دعا فيها إلى تشكيل تحالف مع الغرب لمحاربة الإرهاب والعصابات المسلحة وهي مبادرة يقول محللون إنها ربما تحسن علاقات روسيا مع الغرب والتي تضررت جراء الأزمة في أوكرانيا، وفى ذات السياق أكدت موسكو الى ضرورة إدراك أبعاد الخطر الذى يمثله داعش على الأمن القومي، وإن مكافحته تتم من خلال جبهة موحدة بمشاركة الدولة السورية، وإنطلاقاً من ذلك سيلقي الرئيس بوتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 28 من سبتمبر الحالي خطاباً يحدد فيه الموقف من تنظيم داعش والجهود الرامية الى تسوية الأزمة السورية، كما سيطرح مبادرة لحل الأزمة السورية تنص على ضرورة توحيد جميع الأطراف لضرب تنظيم داعش في سورية، ودعوة القوى الإقليمية والدولية المؤثرة للضغط على المجموعات المسلحة من أجل القبول بالحل السياسي، بالإضافة الى توحيد الجهود الإقليمية والدولية لوقف تمويل المجموعات المسلحة ومنع عبور المسلحين عبر حدود الدول المجاورة لسورية.
مجملاً... الكل يبذل الكثير من الجهود في المشاورات والمباحثات الإقليمية والدولية لإنجاح الحل السياسي في سورية، لذلك أرى إنه في الأسابيع المقبلة سوف يكون هناك تحول كبير بالساحة السورية وتطورات كبيرة تعمل على تضييق الأزمة السورية، كما أن هناك بعض الدول على رأسها الخليج وتركيا ستخسر رهانها بالحرب على سورية ويعود ذلك على أن المعارضة أبدت تراخي ومرونة بالقبول بالحلول السياسية، كون الجميع تعب من هذه الحرب ويريدون الخروج من هذا الوضع المتأزم بعد قناعتهما وإدراكهما بأن هناك أطراف خارجية تريد أن تحقق مصالحها على حساب الشعب السوري، أما المجموعات المتطرفة تشير الأحداث والوقائع الميدانية بأن دورها سينحسر ويتشتت خاصة بعد تكثيف موسكو دعمها العسكرى والسياسي للرئيس الأسد، وهنا يمكنني القول إن التحرك الروسي والأمريكي لحل الأزمة في سورية هام وضروري، وبارقة أمل كبيرة في الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص، ويساعد على مكافحة الإرهاب والقضاء عليه، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات السورية، وأختم بالقول إنه بالرغم من كل التحديات و الصعاب إلا أنني على يقين تام بأن الشعب السوري الجبار سيتمكن من تجاوز أزمته بالحكمة وستفوز أصوات العقل على أصوات المدفعية والرصاص ودعاة الطائفية وستنتصر عليها بل وستؤسس لمستقبل سوري أفضل وسيعم الأمن والاستقرار وسينحر دعاة الفتن الطائفية الذين يريدون شراً للدولة السورية.