فـي شخصنة السياسات

mainThumb

01-02-2008 12:00 AM

يأبى عقلنا السياسي العربي إلا ان يشخصن سياسات الدول الغربية فيجعلها انعكاساً لرغبات الرؤساء فيها أو لأهوائهم او لعقائدهم الخاصة؛ وهو يقيس بذلك على واقع السياسة في العالم العربي، ويفوته ان هذه السياسات الغربية لن تختلف قيد أُنملة في حال تغير جميع رؤساء الجمهوريات، وان ما يقرره البيت الابيض او الاليزيه او رئاسة الوزراء البريطانية انما هو ترجمة حتمية لمصالح قوى راسخة في الولايات المتحدة الأميركية او في فرنسا او في انجلترا، وان علينا نحن العرب ان نعرف كيف نؤثر في هذه القوى نفسها، وان نقنعها - بالفعل لا بالكلام الطائر - بأننا قادرون على تهديد مصالحها إن لم تستجب لداعي العدالة في التعامل مع قضايا بلادنا. ولا يكون هذا التهديد لمصالح هذه القوى بالسلاح ولا بألوان العنف التي تضر بنا قبل غيرنا، ولكنه يكون بوضع خطط لمقاطعة الشركات ومنع الاحتكارات وفض الشراكات وسحب الاموال من البنوك واعتماد اقتصاد مستقل (وطني أو إقليمي) وغير ذلك من اجراءات تشعر معها القوى التي توصل رؤساء الغرب الى مواقعهم ان ثمة ضرورة لمراعاة المنطق والعدالة في القضايا المتعلقة بالعرب، ولا سيما قضية فلسطين التي هم أُمّ القضايا وأوضحها ظلماً وتجبراً وعُدواناً.

إنّ مما تدّعيه الديمقراطيات الغربية أنها هي التي تضع الرؤساء في مواقعهم وتخولهم صلاحياتهم، فإن كان الأمر كذلك فان الشعوب الغربية (أفراداً ومؤسسات) مسؤولة عما يقرره هؤلاء الرؤساء، وهي مسؤولية أخلاقية تستشعرها الألوف المؤلفة من المتظاهرين في العواصم الغربية ضد سياسات الدول الغربية في المشرق العربي الإسلامي، بيد أنها مسؤولية غير فاعلة وغير ذات تأثير، لأنّ القوى ذات النفوذ (الشركات الكبرى، مصانع الأسلحة، البنوك العملاقة) هي صاحبة الكلمة العليا في هذه السياسات. وهي التي تملك ان تجعل الديمقراطية اثرا بعد عين او مجرد صورة براقة تخفي وراءها صنوفا معجبة من الاكراهات والوان القهر النفسي والمادي التي تُعرف بالعيان لكل من يتقن التحديق في المجتمعات الغربية ويتبين ادواءها.

قد تكثر وعود المرشحين للرئاسة (وبخاصة في الولايات المتحدة) وقد تبدو ذات طابع قيمي او اخلاقي، وقد يتميز بعضها بنقد شديد للسياسة القائمة. ولكن ما تؤكده الوقائع ان وعود (الاشخاص) لا تلبث ان تتطاير امام طلبات او اومر القوى التي سبقت الاشارة اليها، وان كل شخصنة للسياسات هي ضرب من الغفلة، وقياس غير صحيح، وذلك ما يجب ان لا يكون بعد كل ما بلوناه من نكبات وهزائم وانكسارات.

غاية ما نذهب اليه ان تعاملنا مع اشخاص الرؤساء وتعويلنا في تحليل افعالهم واقوالهم على نزوعهم الذاتي وما يحبون وما يكرهون، وتنكبنا للشروط الموضوعية التي بوأتهم مقاعدهم، وللقوى التي تقف وراءهم، قد افضى بنا الى عماية سياسية حالت بيننا وبين الفعل المؤثر الذي يمكن ان يخفف من غلواء السياسات الغربية، فتكون اقل وحشية واجحافا معنا، وتراعي في اقل تقدير مصالحها التي يمكن ان تتهدد اذا ما بقيت على مثل تلك الوحشية وذلك الاجحاف.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد