مواجهة حوادث السير .. مواجهة عميقة وطويلة

mainThumb

31-01-2008 12:00 AM

حملت نشرة الأخبار الينا مجموعة مفزعة من المجازر المادية واحدة في العراق وأخرى في الباكستان، وواحدة في لبنان وأخرى بالجزائر وخامسة في الأردن، وللأسف كانت الخسائر البشرية في حادثة الأردن هي الأكثر عدداً في حصد الأرواح والأكثر ترويعا في الوصف، ولكن الاهتمام بها أقل مستوى، والمواجهة أقل جدية، وأقل مسؤولية.

وما زالت طرق المواجهة تتسم بالتسرع والسطحية، وتفتقر الى التفكير الجماعي المتروي، وتكاد تنحصر المواجهة في صياغة تشريع جاف ثم سلقه على عجل، وربما جوهر المواجهة والعلاج تقتصر على الغرامات ومضاعفاتها وأنا اوكد ان مضاعفة الغرامات يضاعف المجازر ولا يعالجها، ودليل ذلك هو الارتفاع المتصاعد في منحنى المخالفات والحوادث وعدد الضحايا وعدد الجرحى الذي يتزايد في كل عام عن الذي سبقه، وفقا لإحصائيات دائرة السير المعلنة.

ان الجانب الأبرز في مواجهة هذه المسألة التي تحظى بالإجماع هي: مواجهة ثقافية تربوية طويلة المدى بالاضافة الى الجوانب القانونية والتشريعية.

يجزم علماء التربية والاجتماع أن العامل الأبرز الذي يفرق بين شعب وشعب، وبين مجتمع بشري وآخر من حيث الانتاجية والقدرة على التكيف مع الظروف المحيطة، والقدرة على مواجهة المشاكل وحلها يكمن في الثقافة السائدة التي تعد هي المحرك الجماعي الفاعل، الذي يتمثل بمنظومة القيم المحكمة التي توارثتها الأجيال بتقدير وخضوع جماعي طوعي، عبر عقود متعاقبة من السنوات.

ونحن الآن نشهد فوضى ثقافية، وضياعا لمنظومة القيم، وتهشيما للبناء المعنوي الثقافي الإنساني الذي يتسم بالتمرد أحياناً واللامبالاة أحياناً أخرى، ويتحمل المسؤولية جميع المؤسسات ومستويات القرار المندرجة، ومحاضن التربية والتعليم والتثقيف، وعلى رأسها وسائل الاعلام ومؤسساته التي باتت بلا ضابط ولا موجه ولا رؤية ولا استراتيجية على الاطلاق.

وأنت تسير بسيارتك مسالما في شوارعنا، تصيبك الدهشة، ويبلغ بك الحزن مبلغا وأنت تشاهد الوانا من الثقافة الاجتماعية السائدة التي لا تمت الى حضارتنا بصلة، ولا الى ديننا وعقيدتنا، ولا الى بيئتنا المحافظة، فتجد المراهقين يتلذذون بمضايقة الآخرين، ويتقهقهون عاليا عندما يقومون بالاساءة المتعمدة الى شخص وقور. وأما ثقافة أصحاب السيارات الفارهة فهي أشد ايلاما وأكثر ضيقا عندما يظن نفسه أنه أحق بالطريق بجميع مساربها، فيعطلها بسير بطيء متكبر متعجرف، وإذا اراد ان يسرع فعلى الجميع أن يفسحوا له الطريق.

الثقافة الابرز على طرقنا هي ثقافة عدم التسامح، لا يسمح للاخر بالمرور، ولا يعترف بحق المشاركة، وينظر للآخر نظرة عدوانية شرسة يود سحقه أو ان يهوي به عن جنبات الطريق بالاضافة الى العبارات الغليظة والالفاظ السافلة، واحيانا اشارات غير لائقة بالايدي والبنان.

لا ادري من اين تسربت الينا ثقافة عدم احترام الاخر وعدم الاعتراف بحقه، وعدم تقدير الكبير ولا العطف على الصغير، وعدم الرغبة في مساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة، مع أن كل ذلك مخالف لمرتكزات ثقافية وحضارية أصيلة مستمدة من عقيدة سامية ومقدسة.

وأما الجانب الاخر الذي يستحق العناية أيضا هو : الانتماء الوطني فأعتقد جازما أن فئة كبيرة من مجتمعنا لا تتعامل مع وطنها بانتماء حقيقي وانما تتعامل بقرف سلوكي متمرد، يخلو من التثقيف ويخلو من الانتماء ويخلو من المعاني الانسانية الدنيا، التي يجب أن يشعر كل مواطن أنه مدين لهذا الوطن ومدين لأهله بالتصرف الجميل وحسن التعامل والحفاظ على المال العام وصيانة البيئة ونظافتها.

إننا امام مشكلة كبيرة وخطيرة ... ينبغي أن يتداعى لها أصحاب القرار، والعلماء، ومراكز الدراسات والأبحاث والجامعات والمؤسسات التربوية والتعليمية من أجل صياغة استراتيجية واضحة تعيد بناء الانسان الاردني وفقا لمنظومة القيم الثقافية والحضارية السامية، وينبغي توزيع الادوار، ووضع حد لفوضى الاعلام الذي عبث بعقول الناشئة وشوه شخصية الانسان الأردني...

نحن بحاجة الى صياغة مبادرة وطنية واستراتيجية ثقافية تهدف الى ايجاد الطالب المجتهد، والعالم المبدع، والإنسان المتسامح، والسائق المؤدب، والتاجر النظيف وصاحب المال المنتمي الى وطنه وأهله... ولسنا بحاجة الى قانون سير جديد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد