منذ خميس بن جمعة وحتى باسم الطويسي

mainThumb

29-01-2008 12:00 AM

أتذكر.. في سبعينيات القرن الماضي .. وفي مضارب (عزازمة) لا يزيدون عن بضع عائلات (لا تصل إلى ثلاثين أسرة بأقصى تقدير) وبعض الماعز.. على عين ماء قريبة من قريتنا تسمى (اللجّون).. تم افتتاح مدرسة من غرفتين فيهما صفوف مجمعة.. عينت لها التربية ((خميس بن جمعة الذي تخرج من معهد المعلمين آنذاك)) للقيام بكافة مهام المدرسة والإدارة والتدريس.. كان المدرس خميس يمتطي حمارا ليصل إلى المضارب المذكورة في ساعة من الزمن.. وفي طريق عودته يجمع (شوالا) من (الجلّة والبعر والحرز) ليبيعها (زبلا) إلى بعض نساء القرية اللواتي يمتلكن طابونا للخبز.. ولكنهن من زوجات الموظفين الذين ليس لديهم أغنام.. وبالتالي ليس لديهم زبل للطابون.. وبالطبع كانت أمي - يرحمها الله - أفضل زبائن الأستاذ خميس الذي يمارس التدريس كهواية.. وبعد الدوام يصبح تاجر زبل.. كان ذلك قبل أكثر من ثلاثين عاما.. ومع كل الظروف التي ذكرتها إلا أن المدرسة كانت مبنية من الإسمنت.. الذي أثار هذه الذكريات غير السعيدة كثيرا هو الخبر الذي قرأته في (زواريب الغد) .. والذي مفاده أن الصديق الأثير الدكتور باسم الطويسي وأثناء زيارته لمنطقة بلدة الباير الواقعة أقصى شرق جنوب المملكة وتبعد عن الجفر نحو 60 كم أفاد أن المنطقة لا تتوفر فيها أية مدرسة..ولا حتى ابتدائية..(هذا في العام 2008)!!! مما حدا بأحد أبناء المنطقة التي تضم نحو 150 عائلة تقطن بيوت شعر(يعني أكثر من جماعة خميس) إلى تخصيص بيت شعر متواضع لتدريس الراغبين من أبناء المنطقة بما تيسر من العلم!! (لاحظوا مرة أخرى أننا في 2008) على غرار نظام "الكتاتيب"!! الذي كان دارجا في المدن العربية أوائل القرن الماضي.. ولم نعلم بعد ما إذا كان المعلم الذي سيتولى التدريس في (بيت الشعر) سيكون من الخريجين أم من شيوخ ال(بيضة ورغيف) الذين كان الواحد منهم يعلم الأولاد و (يطهرهم) ويعقد عقود الزواج ويخطب ويؤذن ويؤم ويفتي ويعالج من الحسد ويقرأ على (الشبة) قبل (تقسيمها على رأس البابور).

ما لفتني في الخبر هو أمران كلاهما أخطر من الآخر. الأول هو أنه رغم استحواذ التربية في وطننا العزيز على اهتمام كبير جدا وعلى الهامش الأكبر من الموازنة.. وعلى بروبغاندا ضخمة.. وحوسبة.. وأتمتة ..وكثير من الكذب.. يبدو الوضع والاهتمام منذ سبعينيات القرن الماضي يسير إلى الوراء..ولكم أن تقارنوا الصورتين أعلاه.. لتروا أي الحالين أفضل؟ وهل التعليم عندنا يسير إلى الأمام أم إلى الخلف؟ الأمر الثاني.. هو أن الخبر جاء من باحث مجتهد( أعني باسم الطويسي) الأكاديمي والمثقف المحب لأهله الذي زار المنطقة لإجراء دراسة إنثروبولوجية.. فتطوع بحسه الوطني وغيرته على أبناء وطنه لنقل الصورة التي لم تلتفت إليها الوزارة العتيدة..أي أنه لم يأت من جهة رسمية تبحث عن مواطن النقص.. إن وجدت مثل تلك الجهة أساسا.. وسلامتكو..



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد