من دمشق: بوتين يفجر مفاجأة من العيار الثقيل .. ويقلب الطاولة

mainThumb

21-09-2015 11:59 AM

ما يحدث اليوم هو إعادة ترتيب المنطقة من جديد والكل يجري مسرعاً باحثاً عن حليف وعن مظلة حماية، فالخط المرسوم لروسيا هو الإتجاه نحو منطقة الشرق الأوسط الذي تغادره أمريكا، كون للروس حليف قديم جديد وهي سورية، فروسيا لم ينكفئ دورها ولم يقل دعمها لسورية بالمطلق، بل زاد عن ما كان عليه الحال سابقاً، والمتابع لتحركات وزير الخارجية سيرغي لافروف في المنطقة، وسفره إلى عدة دول عربية وإقليمية وغربية وتصريحاته الأخيرة يدرك تماماً أن التنسيق قائم على قدم وساق بين دمشق وموسكو، وأن الهدف هو إفشال المشروع الأمريكي في المنطقة بعد أن تراجع قدرة البيت الأبيض عن فرض إرادته بالقوة على دول وشعوب الشرق الأوسط.
 
اليوم هناك تحركات متسارعة ومكثفة على أكثر من جبهة، وتصريحات عدة  لمسؤولين دوليين وإقليميين، تشير في جملتها إلى أن المنطقة، على أبواب مرحلة جديدة، وأن مرحلة الصراعات والفوضى التي عمت المشرق العربي، في السنوات الخمس الماضية، قد إستنفذت غاياتها، وأننا نتجه نحن مرحلة التسويات، برغم من إن ليس هناك ما يؤكد رغبة أمريكا في حسم ملفات القضايا والمشكلات الإقليمية وغالباً ما تترك هذه الملفات مفتوحة تحمل من الإحتقانات ما يجعلها ومحيطها القريب في دائرة التوتر لكي تسهل لها عملية التدخل وصياغة مدخلات تشرف عليها السياسة الأمريكية.
 
وهنا يأتى دور روسيا وأهمية وجودها في الإقليم، فمنطقة الشرق الأوسط تقف على فوهة بركان من الإرهاب الديني يهددها بالتجزئة والإنقسام، وتكاد تضربها الفوضى، وتلعب أمريكا دوراً خطيراً فى هذه الفوضى، ليس فقط في تحالفها السري مع بعض التيارات الدينية، وإنما فى الطريقة التي تتعامل بها مع عنف هذه التيارات، فهناك نوع تتعامل معه وتفتح له الأبواب وتموله، ونوع آخر تحاربه وتقاتله، وهذا سبب توسع الصراع في سورية ومصر والعراق وليبيا واليمن بشكل كبير، وفي هذا الإطار قررت  روسيا أن تحارب الإرهاب بكل أشكاله وتتفق مع دمشق في نظرتها إلى كل الجماعات الدينية المتطرفة، لذلك كان إرسال مقاتلين وطيارين روس إلى سورية, هو دليل تعزيز مسار التعاون المستمر بين كل من روسيا وسورية, وعليه، تجسد الرد الروسي الرامي لحماية أجواء وسيادة الدولة السورية ودق إسفين في توجهات الغرب لتقسيم سورية وإضعافها.
 
وفي الإتجاه الآخر أكد وزير الخارجية السوري وليد المعلم أن مشاركة روسيا في مكافحة تنظيم داعش وجبهة النصرة أمر أساسي وضروري، وقال: "إن هذه المشاركة ستقلب الطاولة على من تآمر على سورية، هذا الشيء يكشف أنه لا يوجد لأمريكا وتحالفها إستراتيجية واضحة في مكافحة داعش، بدليل أنهم فهموا الرسالة الروسية، وأرادوا أن ينسقوا ويتعاونوا مع روسيا الإتحادية"، كما أكد المعلم أن الحكومة السورية لا تمانع من بدء حوار سياسي، وذلك إلى جانب مكافحة الإرهاب في الوقت ذاته، في رد غير مباشر على تصريحات وزير الخارجية الأميركي الذي قال فيها ان الرئيس السوري بشار الاسد يجب ان يتنحى عن السلطة ولكن ليس بالضرورة فور التوصل الى تسوية لإنهاء الحرب الدائرة في سورية، كما طلب مساعدة إيران وروسيا لإقناع الرئيس السوري للجلوس على طاولة المفاوضات، عندما أكد بقوله"علينا ان نبدأ المفاوضات، ونأمل في أن تساعد روسيا وإيران في تحقيق ذلك، لأن غياب ذلك هو الذي يمنع إنتهاء هذه الأزمة".
 
اليوم ترفض روسيا كل الإعتبارات والتبريرات التمويهية التي تربط الحرب على الإرهاب برحيل الأسد، وتضع أمام المجتمع الدولي والعالم تحدي وحيد يحظى بالأولوية القصوى لما له من إنعكاس على أمنها القومي وأمن المنطقة ككل، هو محاربة الإرهاب وإجتثاثه من جذوره، أما فيما يخص بقاء الرئيس الأسد في السلطة فهذه القضية تهم الشعب السوري وحده، ولن تسمح لأمريكا أو غيرها بتغيير النظام في دمشق بالقوة العسكرية، ومن هذا المنطلق لم يعد التحريض الطائفي والمذهبي الذي إستثمرت فيه أمريكا وحلفاؤها في مواجهة سورية يجدي نفعاً، ولا العبث الأمريكي الذي اتخذ من داعش حصان طروادة لتغيير خريطة المنطقة يجد من يقبل به بعد أن إنكشف المستور وإتضحت الأهداف الحقيقية لهذا التنظيم.

في سياق متصل ترصد وتتابع إسرائيل بقلق التحركات االروسية في سورية وتتحدث عن نشاط غير مسبوق للخبراء الروس على الأرض، وزيادة وتيرة التسليح والتدريب والتنظيم للجان الشعبية التي أعدت لتكون الرديف للجيش العربي السوري في معركته المصيرية مع الإرهاب، وبذلك أدرك الكيان الصهيوني أن دخول روسيا بقوة إلى الساحة السورية معناه  قلب موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط، في هذا الإطار
يمكن القول أن اللعبة إنتهت بالنسبة لأدوات أمريكا في المنطقة بعد أن قررت روسيا بالتنسيق مع طهران قلب الطاولة على الجميع في المنطقة، ولم يعد بإستطاعة أحد تحدي المارد الروسي الذي جاء بكل ثقله للدفاع عن سورية، وأصبحت المواجهة مع أمريكا وحلفاؤها وجهاً لوجه، وبذلك أسقط قرار روسيا وإيران الإنخراط عسكرياً في الساحة السورية الرهان وغيّر ميزان القوى في الشرق الأوسط برمته، في إطار ذلك نجد أن هناك تغيير كبير حاصل الآن على المسرح الدولي بما فيه من تراجع ثقل وتأثير واشنطن وتقدم موسكو وعودتها بكل زخم وقوة لمقارعة واشنطن، وقضية سورية أحد تلك المؤشرات.
 
أمام الموقف الروسي الثابت والداعم لسورية، فإن أمريكا اليوم تواجه مشاكل كبيرة وخطيرة، خاصة بعد موجة الغضب الشعبية أمام المشكلات التي برزت في المنطقة نتيجة سياساتها العدائية والتي أصبحت تهدد مصالحها ، فالإدارة الأميركية هي المسؤولة عما حدث في منطقة الشرق الأوسط من دعم تنظيم داعش ومدّه بالأسلحة وكل الإمكانات اللوجستية، فعندما شعرت الإدارة الأميركية أن بعض حلفائها في المنطقة معرضون للخطر بدأت تعمل من أجل إيقاف الإمدادات عن هذا التنظيم، والآن هناك مراجعة لدى الإدارة الأميركية وهناك قرار غربي أميركي لتحجيم هذا التنظيم لأنه أصبح يهدّد أصحابه قبل الأطراف التي يقاتلها في المنطقة، وبالتالي فإن الرئيس أوباما لا يملك خياراً سوى الدخول في معركة لضرب الإرهاب وعليه أن يتعاون مع النظام السوري لضرب هذه المجموعات التكفيرية التي عملت سورية على ضربها منذ البداية، وتخطئ الولايات المتحدة إذا لم تتعاون مع القيادة السورية في القضاء على الإرهاب، لأنّ سورية هي بوابة التصفية لمشروع  داعش في المنطقة.
 
مجملاً.....إن قرار دخول موسكو الحرب الى جانب حليفتها دمشق، قلبت الطاولة على الأمريكيين بما عليها من إستراتيجيات ومخططات، ويمكن تلمس حالة التخبط الأمريكي من خلال إعراب وزير الدفاع الأميركي كارتر، عن قلقه لوجود مستشارين عسكريين روس الى جانب القوات السورية، معتبر تواجد هؤلاء المستشارين سيساهم في تأجيج النزاع والفوضى في سورية وقد يجهض الحملة ضد داعش، هذه الطريقة من الكلام، تكشف وتدل على مدى العجز والقلق الذي تشعر به أمريكا وحلفاؤها، إزاء تطورات الأوضاع في سورية، وهي التي كانت تعتبر خيوط اللعبة في هذا البلد بيدها تديرها كيف تشاء، فإذا بالسوريين يثبتون للعالم أجمع بأنهم قادرين على هزيمة داعش ومن يقف وراءها، ويبرهنوا إنهم حملة عقيدة ومقاتلين أقوياء لا يقف أمامهم شيء فهزموا داعش ووجهوا ضربة قاسية للإستراتيجية الأمريكية، في سورية والمنطقة برمتها، وأخيراً أنا عـــلـــى يـــقـــيـــن تـــام بـــأننا ســـوف نتحد أمام من يريدون تمزيقنا وإدخالنا في صراعات مع بعضنا البعض، كما سنتكاتف أيضاً ضد من يحاولون بأي شكل إفساد وحدتنا، ومن ثم لا مجال لنا سوى تأسيس سورية الحديثة، ومن هذا المنطلق يجب أن نكون على وعي تام بمخططات أمريكا التي تريد السيطرة على بلادنا  والتحكم بمقدراتها.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد