دولة المواطنة بدلا من الدولة الإسلامية
تظهر تجربة المدينة المنورة ووثيقتها أن الدول والمجتمعات في الإسلام هي تطبيقات إنسانية تتشكل حول المكان والمصالح، وليست دولة دينية ولا حتى إسلامية بمعنى أنها قائمة على تطبيق النصوص الدينية، بل إن النصوص الإسلامية لا تعطي للدول وقادتها وللجماعات والمؤسسات ما يعتقده اليوم كثير من الإسلاميين من مناهج وتشريعات وتطبيقات جاهزة للتطبيق إلا في حالات معدودة، ولكنها مبادئ عامة مشتركة مع كل النماذج الإنسانية وتقوم على العدل والمصالح.
وفي وثيقة المدينة، التي كتبت بعد هجرة الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة ومثلت الوثيقة التأسيسية (الدستور) الذي ينظم المجتمع وعلاقاته، يمكن ملاحظة أسس للحكم والمجتمعات والمصالح المشتركة بين الناس، وقواعد للمواطنة قائمة على العلاقة مع المكان والمجتمع والدولة وليس فقط على أساس العقيدة والدين، وكفلت الحقوق والحريات والتضامن بين "المواطنين" جميعهم، فقد كان مجتمع المدينة الذي شملته الوثيقة يضم المسلمين من مكة والمدينة والمهاجرين من غيرهما من الأماكن والمشركين واليهود.
وكانت تجربة رائدة لمجتمع تتعدد فيه الانتماءات القبلية والدينية، وترتبط بالانتماء إلى الوطن والأرض المشتركة وتنميتها والدفاع عنها، وتلتزم بالتسامح الديني والعون الإنساني العام من مساعدة الضعيف وإطعام الجائع، وتأمين الخائف، والمساواة القائمة على العلاقات والقواعد العامة والنظرة إلى المواطنين على أنهم بشر مكرمون مهما كان دينهم وانتماؤهم.
وحذرت الوثيقة المشركين من مجتمع المدينة من مناصرة الأعداء من قريش، وفي ذلك إشارة واضحة لقواعد المواطنة وحقوقها والتزاماتها وواجباتها على الأفراد والمجتمع والدولة، وبين أهل المدينة جميعا النصر والحلف، وذكرت قواعد يلتزمها المواطنون من التحالف والتضامن والدفاع والمناصرة والجيرة وحل الخلافات والشجار.
وقد كانت هذه الوثيقة موضوعا لدراسات كثير من المستشرقين، مثل فلهاوزن وولفنسون وكايتاني وهيدبير غريم، وهي وردت في روايات تاريخية عدة، ابن اسحق، وابن ابي خيثمة، وأبو عبيد القاسم بن سلام، وحميد بن زنجويه، وابن أبي حاتم، والإمام أحمد، والبيهقي.
وتظهر الوثيقة بوضوح أساس المواطنة، وهو أساس يختلف عما هو سائد للوهلة الأولى، فقد يكون غير المسلم مواطنا وقد لا يكون المسلم مواطنا، ولكنه قائم على الإقامة في المكان والانتماء إليه والمشاركة في عقد المواطنة القائم على الحقوق والالترامات، "والذين آمنوا ولم يهاجروا مالكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق".
لقد وفرت الوثيقة أساسا لمواطنة غير المسلم يتيح له الاندماج في المجتمع الذي ينتمي إليه دون قهر ديني "لا إكراه في الدين"، ثم أكدت الوقائع فيما بعد كما في صلح الحديبية كيف أن المسلمين لم يلتزموا بنصرة المسلمين من مكة الذين هم جزء منها، ولكنهم التزموا بنصرة قبيلة خزاعة.
لم تغير الوثيقة التأسيسية في العلاقات الجديدة التي أرستها من تركيبة المجتمعات والقبائل وولائها والتزاماتها ولكنها وظفت هذا النظام الاجتماعي القائم في تحقيق الالتزامات والحقوق التي نصت عليها، فهي غيرت من دور ووظائف القبائل والمجتمعات وأضافت إليها دون أن تغير بنيتها، وهذه قضية ربما تغيب عن بال كثير من المشتغلين بالعمل الإسلامي وبخاصة شباب الجماعات الإسلامية وقادتها ممن يحسبون الحركات والجماعات الإسلامية بديلا للمجتمعات والدول، وينشئون التزامات ويتخلون عن أخرى وفق قراءة مغلوطة للنصوص، أو من آخرين يريدون إلغاء الأنظمة الاجتماعية والقبلية والعشائرية ويعتبرونها مخالفة لعلاقات الدين والعقيدة.
ولكن هذه الانتماءات لا تعفي من المساواة والعدالة وتطبيق القوانين والشرائع، بل إن المجتمعات والقبائل نفسها ملتزمة بمنع خرق المبادئ والقوانين ومعاقبة من يخرقها ورده إلى مرجعيات الحكم والقضاء.
واليوم وكل الدعوات لإقامة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة تستند إلى تجربة الدولة والمجتمع في المدنية فإن الجماعات والدول الإسلامية أيضا بحاجة إلى تحديد ما الذي تريد أن تقتبسه من تجربة المدينة أو لتحدد معنى الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة الإسلامية، حتى لا تكون "الدولة الإسلامية" غطاء للاستبداد والفساد والتخلف، فالدولة الإسلامية في الحقيقة هي تجمع الناس حول المكان والمصالح وفق المرحلة والبيئة المحيطة بالناس وليست تعاليم مجردة من النصوص، وحتى فهم النصوص فيجري ضمن الخبرة القائمة اليوم لدى المسلمين وفق ما اكتسبوا من خبرات علمية واقتصادية واجتماعية اليوم، وليس وفق فهم فقهاء وعلماء قبل مئات السنين.
وربما تكون دعوة أسقف كانتربري روان وليامز إلى تطبيق بعض جوانب الشريعة الإسلامية في بريطانيا مناسبة مهمة لإعادة مناقشة فكرة تطبيق الشريعة والدولة الإسلامية لدينا في الدول والمجتمعات الإسلامية فضلا عن الدول والمجتمعات غير الإسلامية.
والواقع أنها كما كتب الأستاذ عبد العزيز آل محمود في صحيفة العرب مبادرة من السيد وليامز لا تدعو إلى ترحيب كبير، برغم ما فيها من حسن نوايا واحترام للإسلام والمسلمين، فليس تطبيق قوانين الأحوال الشخصية أمرا يمكن اعتباره نصراً للإسلام والمسلمين، عدا أن ردود الأفعال على تصريحه كانت أكبر بكثير من المكاسب المتوهمة أو المتوقعة للمسلمين في بريطانيا. فليست مشكلة المسلمين في بريطانيا هي كيف يتزوجون ويطلقون، ولا تشكل التعاليم الإسلامية عقبة في هذا المجال، لأن الزواج والطلاق هو شراكة وعقود واتفاقات لا تحتاج إلى أكثر من إيجاب وقبول، وتسويات بين الشركاء والفرقاء، وليس فيه طقوس ولا تعاليم إسلامية محددة مختلفة عن غيرها من الأديان والقوانين والتشريعات، ولا يحتاج إلى مؤسسة إسلامية متخصصة. وحتى الصلاة والعبادات في الإسلام لا تحتاج إلى مؤسسات ومرجعيات متخصصة.
فمشكلة المسلمين في الغرب ليست في السماح لهم أو منعهم من تطبيق الأحوال الشخصية، لكنها في المواطنة. نعم، كيف يكونون مواطنين بريطانيين في بلادهم. وما يحتاج إليه المسلمون فقط هو أن يعلموا أنهم مواطنون بريطانيون، لهم حقوق وعليهم واجبات تجاه بلدهم الذي استوطنوه، ويجب أن يلاحظوا أنهم بريطانيون، وليسوا هنوداً أو بنغالاً أو عرباً. وإذا كانوا يعتقدون أنهم يجب أن يكونوا كذلك، فالأولى ألا يهاجروا إلى بريطانيا، وأن يعودوا إلى بلادهم الأصلية.
فالجرائم والمشكلات الاجتماعية والأخلاقية، والمشاركة في التطرف والإرهاب وجرائم قتل الشرف والبطالة والتهميش التي يعاني منها المسلمون في بريطانيا مردها ليس إلى تطبيق أو عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، ولكنها أزمة متعلقة بالمواطنة ومتواليتها المفترضة من الحقوق والواجبات والانتماء والمشاركة.
الأردن يفتتح مستودعات استراتيجية لتعزيز الأمن القومي .. فيديو
افتتاح متحف الحصن للتراث الشعبي
السلط يفوز على الرمثا ببطولة الدرع
الحوثيون يعرضون مشاهد لإسقاط مسيّرة أمريكية .. فيديو
ترحيل أي عامل غير أردني مخالف مطلع العام المقبل ولا تراجع
جيش الاحتلال يُنذر بإخلاء مبانٍ في ضاحية بيروت
حكيم يرد على شائعة القبض عليه بذكاء
سامر المصري: تحولت من مصري إلى سوري في هذا الفيلم
استمرار تأثير منخفض البحر الأحمر على المملكة السبت
هيفاء وهبي تعود للمنافسة الرمضانية بعد غياب 6 سنوات
العدل الأمريكية تتهم 3 أشخاص في مؤامرة إيرانية لاغتيال ترامب
هشام غيث يفوز برئاسة نادي الجزيرة
لجنة دولية تحذر: المجاعة تهدد شمال غزة وسط تدهور للأوضاع
موسم زيتون صعب في الأردن وارتفاع سعر التنكة .. فيديو
مهم بشأن رفع الحد الأدنى للأجور
إيقاف ملحمة شهيرة في العاصمة عمان عن العمل
الأردنيون على موعد مع عطلة رسمية الشهر المقبل
مواطنون في منطقة وادي العش يناشدون الملك .. تفاصيل
أمطار وكتلة هوائية أبرد من المعتاد قادمة للمملكة .. تفاصيل
أم تستغل ابنتها القاصر بالعمل مع الزبائن
توضيح من الضمان بشأن رواتب تقاعد الشيخوخة
وظائف شاغرة بالجامعة الأردنية .. تفاصيل
أمطار غزيرة وعواصف رعدية وتحذيرات من السيول
قرارات مهمة من وزارة العمل .. تفاصيل
إدارة الجونة تتخذ قراراً بشأن إطلالات رانيا يوسف الجريئة
دائرة الأراضي تطلق خدمة إلكترونية جديدة .. تفاصيل