حان الوقت لترتيب البيت السياسي

mainThumb

02-02-2008 12:00 AM

مع انسداد الأفق السياسي أمام إقامة دولة فلسطينية مستقلة, تنامي سطوة إيران الإقليمية وانكشاف مدى التخبّط السياسي الامريكي في جيب إسرائيل على حساب الحلفاء العرب, صار لزاما إعادة ترتيب البيت السياسي الداخلي لتقوية الجبهة الهشة بينما تناور الدبلوماسية الأردنية لضمان النجاة والأمن والاستقرار.

فرياح المشهد السياسي الإقليمي لا تسير كما تشتهي أشرعة السفن الأردنية بخاصة بعد بوادر فشل المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية - مع أن الدولة العبرية قبلت في اول بحث بنود قضايا الوضع النهائي بما فيها اللاجئون, القدس, الحدود, تقاسم المياه والأمن. غالبية هذه الملفات الجوهرية تمس عمق الأمن القومي لمملكة نصف سكانها من أصول فلسطينية لم يحسموا بعد أمر الهوية السياسية بانتظار شكل التسوية النهائية.

في حال فشل المفاوضات لن تترك القضية الفلسطينية عائمة في الهواء. بل قد تتجه جهات يمينية امريكية وإسرائيلية إلى إعادة طرح الخيار الأردني لتسوية ما تبقى من القضية الفلسطينية ببعدها الإنساني بعد أن تزعم أنها حاولت البحث عن السلام مع الفلسطينيين المقسومين إلى "فتح الضفة" و"حماس غزة". هذا يعني توطين اللاجئين ودفع تعويضات وإلحاق ما تبقى من أراضي الضفة الغربية بالأردن, بينما تضم غزة إلى مصر, على غرار المعادلة الجيوسياسية قبل .967 بهذه القنبلة الموقوتة تنشد إسرائيل هدوء البال ولو مرحليا قبل أن تنفجر المنطقة مرة أخرى بفعل غياب أسس الحل العادل والدائم.

لكن قبل إقامة دولة مستقلة غربي النهر يقرر بعدها الشعبان نوع العلاقة المستقبلية يظل الخيار الأردني مرفوضا في الظروف والشروط الحالية لدى غالبية الأردنيين, بدءا من عبد الله الثاني وانتهاء برجل الشارع.

الفشل السياسي المطل برأسه سيصب المزيد من الزيت على نار الانشقاق الفلسطيني-الفلسطيني منذ انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية في قطاع غزة الصيف الماضي. ذلك سيوتر الأجواء الداخلية في الدول المجاورة ومن بينها الأردن, بسبب خصوصية العلاقات التاريخية والديمغرافية والسياسية مع الفلسطينيين أرضا وشعبا.

إزاء هذه الخيارات السياسية السوداوية في مملكة محاصرة بجبهات مشتعلة في فلسطين, العراق ولبنان لا مناص أمام أصحاب القرار إلا توسعة هوامش المناورات الداخلية لتنفيس الاحتقان الشعبي, بخاصة على الجبهة الاقتصادية والحريات السياسية.

تلكم ضرورة لمعاونة الدولة على الاستمرار في علاقاتها الإستراتيجية الإشكالية مع أميركا والتعامل مع الاستحقاقات الاقتصادية المقبلة المليئة بتحديات سياسية أمنية اجتماعية ستظهر بعض مظاهرها لدى بدء سباق مستويات التضخم المعيشي بعد تنفيذ سياسة تحرير أسعار المحروقات خلال الأسابيع المقبلة لسد عجز الموازنة.

ستكون التداعيات قاسية وستمس شرائح كبيرة من المجتمع الأردني بمن فيهم جيش الفقراء والعاطلين عن العمل حتى ولو أعلنت الحكومة عن سلسلة إجراءات لتليين الكلفة السياسية لهكذا قرار بما فيها زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين بأثر رجعي وإعفاء سلع تدخل في سلة الغذاء الأساسية من ضريبة المبيعات, وغيرها.

مناسبة الحديث عن الإصلاحات السياسية مرة أخرى مردها صدور التقرير العالمي 2008 لمنظمة هيومن رايتس ووتش عن دول عربية من بينها الأردن بعنوان "التظاهر بالديمقراطية يقوض الحقوق".

تناول التقرير ما يصفه بسلسلة من التراجعات على صعيد ممارسة حقوق سياسية أساسية لا يحتاج الأردنيون أن تذكّرهم بها هذه المنظمة لأن منظمات المجتمع المدني المحلي والمراقبين والإعلاميين لطالما تحدثوا عنها بجراءة.

من جملة ما يمسّه التقرير تجاوزات أثّرت على نزاهة الانتخابات البلدية والنيابية التي أجريت قبل شهور وأدّت إلى تراجع نفوذ التيار الإسلامي في الأردن. ينتقد التقرير عقد الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني تبعا للقانون الانتخابي القديم, مع عدم وفاء الحكومة بالوعد الذي قطعته عام 2006 بإصلاح القانون الانتخابي.

يخصّص التقرير فقرات مطولة للحديث عن العناوين الرئيسية التالية: الاحتجاز التعسفي والإداري والتعذيب, الاحتجاز الوقائي للنساء, حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع, اللاجئون العراقيون في الأردن, حقوق العمال المهاجرين الذين يعملون في المناطق الاقتصادية المؤهلة وغالبيتهم من جنوب شرق أسيا.

الرواية الرسمية تصر على أنها تحاول المواءمة بين توسيع مساحة الحريات والمشاركة في صنع القرار مع متطلبات الحفاظ على الأمن الداخلي بينما تنشط محاولات التسلل انطلاقا من فلسطين وسورية باتجاه المملكة إضافة لاستمرار استهداف تنظيم القاعدة الإرهابي من العراق لأمن واستقرار المملكة.

في خلفية المشهد قلق من تزايد انقسام التيار الإسلامي واسع النفوذ بين حمائم ممن لا يرغب بالمواجهة وصقور مقربين من حماس تعتقد السلطات أنهم يدفعون صوب استبدال أسس العلاقة التي سادت لعقود بين الدولة وحركة الإخوان من تشارك إلى مغالبة. الشارع التائه يبحث عن أنموذج سياسي يحاكي همومه وأماله.

في الأثناء يبدو الغربي- الامريكي بخاصة- متعاطفا وصبورا في مطالبه بالإصلاح السياسي والديمقراطية في الأردن بسبب موقعه الجيو-سياسي وهشاشة الجبهة الداخلية وهيمنة القوى التي إذا أتيح لها العمل في اللعبة الديمقراطية سوف تكون أقل استعدادا للتعاون مع الولايات المتحدة ومع إسرائيل طبقا لمعاهدة السلام الإشكالية لعام .1994 وبالتالي لن تضغط هذه الجهات على المملكة لإحداث تغييرات جذرية.

لكن بغض النظر عن هذه الاعتبارات الخارجية, لا بد من إعادة ترتيب الساحة الداخلية لتحصينها من كوكتيل التحديّات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية المقبلة.

ربما سيساعد على ذلك وجود حكومة جديدة ذات غالبية من التكنوقراط برئاسة نادر الذهبي: شخصية وسطية محافظة مدعومة برلمانيا, ومن مؤسسات الدولة الاخرى وهي حالة استثنائية تساهم في تذليل المشاحنات التي دارت وتدور بين مراكز القوى الأساسية وجزء منها عطل تنفيذ وعود الإصلاح والتحديث الشامل.

هم الحكومة الأساس الآن هو تفعيل شبكة الأمان الاجتماعي للخروج من أزمة رفع أسعار المحروقات بعد ذلك تنتقل الحكومة للتعامل مع ملف آخر لا يقل صعوبة وهو تحدي توفير الطاقة لحين بدء جني ثمار التحول إلى برنامج لاستخراج النفط من الصخر الزيتي وبدء تنفيذ برنامج طاقة نووي سلمي لتكرير المياه وتوليد الطاقة وتحلية المياه خلال العقد المقبل.

الحكومة تحاول اليوم إشراك أكبر عدد ممكن من الإعلاميين والنواب والأعيان وممثلي المجتمع المحلي ووجهاء المحافظات, ضمن توجه لكسب التفهم والتأييد للخيارات الصعبة المقبلة.

لكن البداية قد تكمن في البناء على خطوات صغيرة نفذّتها الحكومة أخيرا ومنها سحب مشروعي قانون الجمعيات الخيرية والنقابات المهنية. الرئيس الذهبي أمر وزير الداخلية بإعادة النظر في التقسيمات الإدارية ليعكس الكثافة السكانية. وربما انعكست نتائجه على قانون الانتخاب غير الديمقراطي, مع أن الحكومة لا تربط بين الأمرين.

كذلك وعد الرئيس بإعادة النظر في قانون الاجتماعات العامة كأولوية على أجندة حكومته السياسية تليها سلة أخرى من القوانين الناظمة للعمل السياسي ومنها قانون الانتخاب والأحزاب والإعلام. الأمل أن تستلهم الحكومة من توصيات الأجندة الوطنية التي تناولت هذه المفاصل السياسية بالتحديد.

وسربت بعض المصادر الرسمية لـ »العرب اليوم« أن وزير التنمية السياسية د. كمال الناصر يعكف بالتعاون مع مرجعيات الدولة الأمنية والسياسية تقدير أبعاد الانفتاح السياسي الممكن أن تتحمله المملكة من دون المس بثوابت الوطن أو السماح لتيار بالاستفراد والتحكم بالساحة.

هذا الحراك بدأ بعد أيام على لقاء جمع الملك عبد الله الثاني وسفراء مجموعة دول الاتحاد الأوروبي أصر الملك خلاله على التزامه بالتحديث السياسي وضرورة قيام تيارات سياسية تمثل الوسط واليمين واليسار لتفعيل الحراك السياسي.

بان أيضا خلال الاجتماع أن المسؤولين يلمسون التداعيات السلبية المرافقة للانتخابات التشريعية الأخيرة بما فيها ظاهرة شراء الأصوات من خلال ضخ المال الخاص عبر رجال أعمال ومقاولين وتجار أراض أغلبهم جنى ثروات مفاجئة من التجارة مع عراق ما بعد انهيار نظام صدام حسين أو من خلال المتاجرة بالأراضي والأسهم. هؤلاء المسؤولون لا يرغبون في تكرار ذلك في الانتخابات المقبلة والمدخل لذلك يتمثل في تغيير قانون الانتخاب الحالي.

ويبدو أن غالبية المسؤولين اليوم على قناعة بضرورة تنمية الحياة السياسية لتقوية الدولة والنظام وإكمال حلقات مسيرة التحديث التي طالت في اغلب جوانبها تشريعات اقتصادية لتسريع الاندماج مع الاقتصاد العالمي ولو أنها جاءت في أحيان كثيرة على حساب الخصوصية المحلية وعلى دور الدولة.

فالإصلاح السياسي لا يؤدي إلى النتائج المرجوة من دون وجود إرادة سياسية حقيقية تعمق من حرية الفرد في مجتمع أبوي ذي غالبية عشائرية مع ضمان استقلال قضائي وتعزيز مبدأ فصل السلطات. لكن لا بد من تأسيس ثقافة حزبية وتعددية سياسية بدلا من الإقصاء أو الاستفراد أو التكفير. هناك أيضا محدّدات أخرى لتحقيق تنمية سياسية وعلى رأسها قيام أحزاب قوية لها برامج وطنية واضحة وفاعلة لا تختبئ وراء الشعاراتية السياسية.

في حالتنا, تظل الدولة لاعب غير محايد إذ تهدف إلى تلبية مجموعة مصالح لنخبة من أصحاب النفوذ السياسي والاقتصادي, غالبيتهم مع استمرار الوضع القائم.

بانتظار توطين مفاهيم الديمقراطية للمستقبل, لا بد من بدء العمل الجدي والفوري من خلال تبني منهجية منفتحة من شأنها اعتماد مقاربات حقيقية حيال هموم المواطن فيها قدر من الانفتاح السياسي لتعزيز التطبيق العادل والمتكافئ لمكتسبات حق المواطنة للجميع. ولا بد من الانفتاح على حركة الإخوان المسلمين لتحييد نشاط حماس كبديل على الساحة.

فـ "العدل أساس الملك".. والاستقرار والنماء.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد