هيئات شعبية

mainThumb

09-02-2008 12:00 AM

كتب التاريخ والديمقراطية تقول: إن الديمقراطية المباشرة هي التي كانت في البدايات عندما كانت المجتمعات صغيرة جدا، حيث يجتمع أهل المدينة ويختارون القرارات والمسارات التي تناسبهم, وعندما كبرت المجتمعات وأصبح السكان غير قادرين على الاجتماع معا واتخاذ القرار كانت ديمقراطية غير مباشرة حيث يختار الناس ممثليهم الذين يحملون القدرة والتفويض على اتخاذ القرار.

وممثلو الناس ليسوا فقط اعضاء مجالس الشعب او النواب فهناك ما تتداوله المجتمعات وهو الهيئات الشعبية والتي تعد شكلا من أشكال تمثيل الناس او قطاعاتهم، فهنالك هيئات اجتماعية تعبر عن قطاع العمل الاجتماعي، وهيئات ثقافية واخرى رياضية واخرى اقتصادية وطلابية ونقابية,.. وكل هيئة تمثل شكلا من أشكال التمثيل الذي قد لا يكون بمستوى التمثيل البرلماني لكنها هيئات ذات طابع تمثيلي، أما الدولة بمفهومها الشعبي وهي السلطة فهي المسؤولة عن المصالح العليا للدولة وهي الضامن لتطبيق القوانين والدستور في أي دولة ومجتمع.

حين نتحدث عن الديمقراطية وتمثيل الناس فإننا يجب أن لا نغرق في القضايا الإجرائية مثل القرارات اليومية فهذه قد تمثل مؤشرا على مرحلة سياسية قصيرة، لكن معايير الديمقراطية مرتبطة بالمؤسسات وقوتها وحضورها من برلمان وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني ونقابات مهنية وعمالية.

فإذا توفرت في أي مجتمع مؤسسات فاعلة ومؤثرة تؤمن بالديمقراطية في داخلها وتمارسها ويتم بناؤها بقوة القانون وروحه فإن أي تحولات في القرارات والإجراءات والمراحل لا تترك آثارا حقيقية على الديمقراطية، أما عندما تغيب المؤسسات الحقيقية فإن كل أشكال الانفتاح والارتياح تصنعها المراحل السياسية, وإننا لسنا قادرين على إطلاق حكم بأن الحالة الديمقراطية ايجابية او تتقدم او تتأخر.

وإذا عدنا الى الهيئات الشعبية فإن أهم معايير قوتها هو تمثيلها لقطاعها، فقد يكون لدينا مثلا أحزاب تصدر بيانات وتنظم ندوات لكنها بعيدة عن الجمهور ولا تمثلهم وبالتالي فهي تفقد صفتها التمثيلية، وقد يكون لدينا جمعيات خيرية وهيئات قيادية لكنها نخب لها مصالحها وحساباتها وآليات محافظتها على مواقعها، لهذا فهي موجودة لكنها لا تمثل من يجب أن تمثلهم.

وهنالك نقابات عمالية ومهنية يفترض أن تحافظ على مصالح قطاعاتها وتمثلهم، أما إذا تحولت الى مواسم انتخابات, وأجندتها من يفوز ومن يخسر ومن يسافر ومن يحصل على هذا الامتياز, فإنها تفقد صفتها كهيئة شعبية وتتحول الى أشياء أخرى لكن ليست ممثلة للناس.

وإذا انتقلت الى المظلة الكبرى للتمثيل وهي مؤسسة مجلس النواب فإن قيمتها الدستورية والسياسية والشعبية أن أعضاءها هم خيار الناس وأنهم اكتسبوا مكانتهم ومواقعهم لأن الناس إرادتهم, وقيمة المؤسسة أيضا أن حساباتها الحقيقية مصالح الناس وهمومهم والتعبير عن قضاياهم, طبعا هنا نحن نتحدث عن المؤسسة بغض النظر عن الأشخاص، أما إذا كان الوصول الى هذه المواقع محصلة معادلات النفوذ والمال والسلطة, أي ليس خيار الناس فهذا يضعف من القيمة التمثيلية وموقعها الذي جاءت من أجله.

قوة الدول ومسارها الديمقراطي تقتضي أن تحافظ كل الهيئات على صفاتها التمثيلية وهذه هي التشاركية الحقيقية، وهي أحد أهم أشكال التنمية السياسية الحقيقية العميقة، وعندما نتحدث عن تقدم او تراجع في المسار الديمقراطي فيجب أن لا نستسلم فقط لما في ذاكرتنا من إجراءات او ممارسات بل أيضا البنية التحتية، والشراكة في إيجاد الديمقراطية كاملة.

إن أكثر مراحل الديمقراطية ترديا عندما لا تكون الهيئات الشعبية القائمة تمثل الناس ولا تعبر عنهم, فلا يكون الحزب حزبا ولا النقابة نقابة، ولا الجمعية الخيرية او التعاونية تخدم من جاءت لخدمتهم ولا النائب نائبا بالمفهوم الدستوري الى نهاية قائمة الهيئات السياسية والدستورية والشعبية ذات الصفة التمثيلية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد