في مواجهة المرحلة

mainThumb

09-02-2008 12:00 AM

يُسجّل للحكومة الحالية أنّها نجحت في تمرير الموازنة وسياسة رفع الدعم عن المحروقات وتحرير الأسعار بقدر كبير من النجاح، بالاعتماد على حملة إعلامية وسياسية واسعة سوّقت خلالها مبررات القرار ومسوّغاته الوطنية، بالتوازي مع إشعار المواطن بحساسية الدولة تجاه متطلباته والشروط الاقتصادية القاسية على الطبقة العامة في ظل حالة الغلاء الحالي والمتوقع.

في المقابل؛ فإنّ المعارضة فشلت فشلاً عظيماً في مواجهة المرحلة الحالية، وقدّمت أسوأ نموذج لخطاب سياسي متوقع، إذ اكتفت بمهرجانات خطابية بائسة بعدد محدود من الجماهير، وباستخدام لغة خشبية ملّها المجتمع والمواطنون تستغرقها الشعارات، التي لا تدفئ من برد ولا تطعم جائعاً ولا تخلق أي أفق ممكن.

بينما نجحت الحكومة في حبك سياساتها الاقتصادية الجديدة وتسويقها إعلامياً وسياسياً بالاعتماد على حملة كبيرة فإنّ المعارضة فشلت في بناء قراءة مُحكمة ودقيقة للسياسات الحكومية وصوغ استدراكات وبدائل واقعية وممكنة يمكن تسويقها من خلال المؤسسات السياسية والمدنية والإعلامية وبناء حملة إعلامية كبيرة لتمرير تعديلات جراحية، على برنامج الحكومة، لصالح الطبقتين الوسطى والفقيرة، ولحمايتهما من قسوة "الليبرالية الجديدة" التي تحكم المسار الاقتصادي الجديد.

إنّ التحولات الاقتصادية البنيوية وما ينجم عنها من استحقاقات سياسية وثقافية واجتماعية تفرض على المعارضة السياسية، وبالتحديد جماعة الإخوان المسلمين، إعادة النظر بصورة جِدِّية في خطابها السياسي وأوّلياتها المعتمدة. فالشأن الاقتصادي بات يحتل لدى المواطن أهمية كبرى ويحظى بنصيب الأسد في استطلاعات الرأي، خلال السنوات الأخيرة، بينما ما تزال أحزاب المعارضة أسيرة للغة أيديولوجية عامة خلقت حالة من الاغتراب بينها وبين الشارع وهمومه وقضاياه، أو رسّخت فجوة بين الشارع ومصالحه الاقتصادية والسياسية، ما أدّى بدوره إلى "فراغ" كبير وشغور المشهد السياسي من حركة معارضة بنيوية تتعامل مع استحقاقات الواقع ومخرجاته وتعكس مصالح شرائح المجتمع ومطالبها، وهي المعادلة الطبيعة للواقع السياسي، لكنها مفقودة في المشهد المحلي!

في هذا السياق؛ من الواضح أنّ الخلل البنيوي في سياسات الحكومة الاقتصادية يكمن في الجانب الاجتماعي، وهو المجال الذي يمكن أن تُركِّز عليه المعارضة وتُقدِّم فيه قراءةً تساعد على التخفيف من حدّ?Zته ونتائجه وتفرض بناء مناظرة وطنية حقيقية تُركِّز على قضايا رئيسة تشكل رافعة لإعادة تشكيل الحياة السياسية وصورتها العامة والملفات الحيوية المطروحة فيها.

يُمثّل موضوع القطاع العام أحد أبرز مجالات الحوار المطلوب.وإذا كانت الحكومة قد قامت برفع جزئي للرواتب،فإنّ(ذلك) لا يعفي من ضرورة تأهيل القطاع العام وتطويره وإنقاذه من حالة الترهل التي أصابته في السنوات الأخيرة، ما يتطلب هيكلة بنيوية لرواتب هذا القطاع، لتتناسب مع الشروط الاقتصادية الجديدة.والمؤمّل أن لا يكون ترهل القطاع العام مدخلاً لمزيد من الخصخصة، كما تُفكّر نخبة نافذة، بخاصة أنّ السنوات الأخيرة أثبتت عجز القطاع الخاص عن القيام بدور وطني حقيقي، كما هي الحال في دول غربية.

جانب آخر من جوانب النقاش المطلوب يتعلّق بمسألة السلّم الضريبي ومدى تحقيقه للعدالة ومعالجة الخلل في التهرب الضريبي. وعلى الجهة الأخرى فإنّ قوانين العمل لا تشكّل حماية تذكر للموظفين والعمّال في مواجهة صاحب العمل، وثمة دواعي حقيقية لتطويرها وتفعيلها، وإعادة النظر في الحدّ الأدنى للأجور لربطه هو الآخر بمعدل التضخم، في موازاة إعادة النظر في بنية جمعية حماية المستهلك ودورها، مع إيجاد أقسام ولجان خاصة في أحزاب المعارضة والنقابات معنية بالشأن الاقتصادي.

"صِغار الك?Zس?Zبة" و"الحِرفيّون"، كالعاملين في قطاع النقل العام والشركات الصغيرة، موضوع آخر يتطلب اهتماماً خاصاً. إذ تفقد هذه الشريحة الواسعة أي مضمون للأمن الاجتماعي، وكثير منهم لا يحظون بتأمين صحي ولا ضمان اجتماعي، ولا تقاعد، ويعتمدون على ما يأتيهم في يومهم. فهم بحاجة إلى مظلة حقيقية تتكون أولاً من شمولهم بالضمان الاجتماعي، وثانياً من بناء هياكل اقتصادية وإدارية أكبر تُنظِّم هذه القطاعات بصورة جيّدة من ناحية وتُؤمّن حقوق العاملين فيها من ناحية أخرى.

من الملفات الحيوية، أيضاً، استراتيجية التعامل مع الطبقة الفقيرة؛ إذ تتوزع المؤسسات والجمعيات في خارطة مبعثرة متضاربة، وكأنّها جزر معزولة، ما يؤدي إلى انعدام الرؤية في هذا الحقل الحساس من ناحية وإلى انتشار حالة من الفساد باستثمار الفوضى من ناحية أخرى. لمواجهة (ذلك) المطلوب بناء قاعدة بيانات ومعلومات لخارطة الفقر والحرمان وتحديد أدوار المؤسسات والجمعيات العاملة لتحقيق أكبر قدرٍ من العدالة والتكامل لبناء رؤية واضحة تُشكِّل مدخلاً أساسياً لمواجهة الفقر في المستقبل.

ومن الملفات التي تتطلب حواراً استراتيجياً؛ ملف "توزيع عوائد التنمية" على المحافظات المختلفة وعدم تمركزها في العاصمة، ما يدعو إلى خلق مُحفِّزات كبيرة للاستثمار في المحافظات الأخرى ولعملية خلق فرص عمل لأبناء تلك المحافظات، وتمييزها عن استثمارات العاصمة، ما يدفع بدوره إلى الاهتمام بالبنية التحتية في تلك المناطق.

"الوقف"(ودوره ومكانته) يشكل موضوعاً وطنيّاً حيوياً، إذ تلعب الأوقاف دوراً مؤثراً وفاعلاً في مجال التعليم والرعاية والخدمة الاجتماعية في الغرب، بينما تنصب الأوقاف في العالم العربي بصورة أساسية على مجالات دينية محددة.هنا يمكن إعادة النظر في قانون الوقف وتفعيل دور المؤسسة الدينية في إعادة بناء إدراك الناس للوقف وللمساحة الحيوية التي يمكن أن يحتلها والتجسير الذي يحققه بين القطاع الخاص والدور الوطني المنشود.

المقصود من المرور على الملفات السابقة هو الإشارة إلى المساحة المهدرة من الحوار الوطني ومن الدور المطلوب للمعارضة الغارقة فيما لا ينفع الناس!

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد