البيئة الجديدة للاعلام

mainThumb

19-02-2008 12:00 AM

القيود الجديدة, على حرية الاعلام, التي وضعها الوزراء العرب في اجتماعهم (الاستثنائي) الاخير في القاهرة, لا تستحق ما أثير حولها من ردود افعال, لأن (معاهدتهم) هي مجرد محاولة يائسة ومتأخرة وتسبح ضد تيار لا تستطيع مواجهته حتى لو وظفت جميع ابداعاتها في القمع ومصادرة الوعي والرأي الآخر.

ما يملكه وزراء الاعلام العرب هو فقط سلطة سحب التراخيص ضد من يخرج على الطاعة ولا ينخرط في مهنة النفاق وتزوير الحقائق. لكن بالمقابل, لم يعد بإمكان الوزراء ولا في سلطتهم مواجهة سلطة (البيئة الجديدة للاعلام) في الفضائيات العربية.

تداول المعلومات وتغطية الاخبار في كل بقعة من العالم العربي اصبحت مجالا مفتوحا لشبكة ضخمة من تكنولوجيا الاعلام المعاصر, من الاذاعات الى الفضائيات الى مواقع الشبكة الالكترونية, ومن قواعد البيئة الاعلامية الجديدة انه اذا ما اقدمت اية حكومة على اغلاق مكتب او سحب تراخيص عمل مؤسسة اعلامية او صحافية فإن ذلك يتحول بسرعة الى خبر عاجل ويصبح قصة اعلامية وصحافية تشكل في حسابات (الكلفة والعائد) خسارة كبيرة لسمعة الحكومة التي تقدم على مثل هذه الخطوة القمعية.

لم يعد في استطاعة وزراء الاعلام العرب تغطية الشمس بأكف ايديهم المرتعشة. فالبيئة الجديدة للاعلام تتسرب من بين اصابعهم لتزداد المعلومات انتشارا بين الناس, واليوم, هناك في معظم الدول العربية محطات (إف. إم) للـ (بي. بي. سي), ومونت كارلو. الى جانب عشرات الفضائيات العربية والناطقة بها. بيئه جديدة خارج سلطة الوزراء تقدم حوارات وبرامج سياسية واخبارا بسقوف عالية جدا, برامج لم تترك صغيرة او كبيرة في حياة الشعوب العربية الا وطرحتها للحوار والنقاش.

ادعو جميع الاعلاميين والصحافيين لقراءة "وثيقة القاهرة" ففيها الكثير من المسليات. مثل الادعاء بأن هدفهم (الحفاظ على الهوية العربية). فهل من مستلزمات الحفاظ على هذه الهوية الصمت على جرائم الاحتلال الامريكي في العراق. والتعتيم على حقائق مقتل مليون عراقي منذ الغزو?. وهل من مستلزمات الحفاظ على الهوية العربية تسمية رجال المقاومة في فلسطين بأنهم مجرد (مسلحين اشتبكوا مع القوات الاسرائيلية)!?

ماذا فعلت وثيقة (اطفاء الاضواء) للدفاع عن الدين الاسلامي امام عجز الحكومات واعلامها عن منع مسلسل التجريح الذي تمارسه الصحافة الدنماركية باصرار ضد الرسول صلى الله عليه وسلم. وقبلها صحافة اوروبا التي تضامنت مع رسام الكاريكاتور!?

افضل شيء فعله رأس المال العربي الخاص هو الاستثمار في الاعلام وفي بناء شبكة اعلام عربية عابرة للحدود القطرية. صحيح ان هناك سلبيات ومظاهر غير حضارية في بعض ما يقدم من حوارات, لكنها ضريبة تدفع من اجل حرية البشر في تداول المعلومات وحقهم في إبداء آرائهم بكل ما يتعلق بشؤونهم الوطنية والقومية.

شبكات الاعلام العربية المستقلة, ونصف المستقلة, انجزت للتضامن العربي, على مستوى الشعوب, ما يكفي لازالة الاثار السلبية لـ "سياسات التضامن الرسمية" التي لم تفعل غير تقسيم الامة وتهميش شعوبها واقامة الجدران والحدود المغلقة بين اوطانها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد