نماذج مسيحية مشرّفة

mainThumb

19-02-2008 12:00 AM

كان استاذنا الدكتور ناصر الدين الأسد يرفض فكرة ادراج المسيحيين العرب في اطار ما كان يجري من حوارات بين المسلمين والمسيحيين في الغرب ، وكان يصر على ان هؤلاء جزء من مجتمعنا وثقافتنا ومن مشروعنا الحضاري الاسلامي الذي استوعب الجميع ، وبالتالي فان الحوار معهم او الدعوة الى التقارب بيننا وبينهم ، يسوغهما الاختلاف ، وهو غير موجود اصلا ، اما الهدف (ان كان ثمة مبرر للحوار) فهو ترسيخ المحبة والتفاهم والترابط بينهم وبين اخوانهم المسلمين ، شأن الحوارات التي تدور بين المسلمين والمسلمين من مختلف مذاهبهم وتياراتهم.

لا يوجد لدينا اذن ، مشكلة "تعايش ديني" بين المسلم والمسيحي ، فهما شركاء في الوطن وفي الثقافة والحضارة ، ولا يكاد يوجد مسلم حقيقي ينكر هذه الحقيقة ، كما لا يمكن لأي مسيحي حقيقي ان يتجاوزها ، ولا نحتاج - بالطبع - الى استرجاع تاريخ العلاقة واوشاجها بين الطرفين منذ اربعة عشر قرنا مضت على قيام الدولة الاسلامية ، لكن ذلك لا يمنع من الاعتراف بأن محاولات كثيرة قد بذلت - وما تزال - لتشويه هذه العلاقة او تخريبها ، سواء من قبل "الجهلاء" الذين اساؤوا فهم دينهم ، او من قبل بعض الدوائر المسيحية الغربية التي استخدمت هذا الملف لتحقيق اهداف سياسية ، او لتصدير اجندات جاهزة لاثارة النزعات الطائفية والدينية في مجتمعاتنا العربية والاسلامية.

تقرير وكالة الانباء الامريكية الاخير يندرج في سياق ما اشرنا له سلفا من محاولات واجندات ، لكنه بالطبع لم ينطل على اخواننا المسيحيين ، فقد نهض مجلس كنائسهم الى الرد عليه وتفنيده على الفور ، وهذه بادرة تستحق الاحترام والتقدير ، وترسخ في اذهاننا ما استقر عن مفهوم "الاخوة"التي يتقاسمها اشقاء الثقافة والحضارة الواحدة ، لا ضمن الدائرة الانسانية التي يتساوى فيه الخلق جميعا ، وانما - ايضا - في اطار الامة الواحدة التي يتلاقى فيها الناس - من مختلف طوائفهم واديانهم ومذاهبهم - على مهاد التعايش والتعارف والتقارب ، بل واكاد اقول: الحب المتبادل.

شخصيا ، ارى الاستاذ جورج حداد - مثلا - المسيحي الوطني العروبي الملتزم اقرب اليّ من كثير من المسلمين الذين اختلف معهم في الموقف ، وافضل ايضا البابا شنودة المعروف بمواقفه العربية والحضارية على كثير من العلماء المسلمين الذين استقالوا من وظائفهم الدينية والقومية ، وكثيرا ما تعجبني عبارة احد اخواننا المسيحيين الكبار في مصر (اظنه مكرم عبيد) "انا مسيحي الدين ، مصري الجنسية ومسلم الثقافة"... ولدي مخزون كبير من الاحترام لقامات مسيحية وفكرية وادبية ، من طرفة بن العبد الى امرؤ القيس الى النابغة الذبياني الى ابراهيم اليازجي الشاعر المصري الكبير الى جورج انطونيوس الذي اختار مسكنه بجانب الحاج امين الحسيني ، الى امين الريحاني ، الى الاخطل الصغير واحمد فارس شدياق وجول جمال وصولا الى المرحوم ادوارد سعيد .. وغيرهم الكثير الكثير.

لا حاجة - بالتأكيد - للدفاع عن الاخوّة التي جمعت المسيحي والمسلم في بلادنا ، ولا ارى اي جدوى من الدعوة الى الحوار بينهما الاّ في اطار الثقافة الواحدة والمواطنة ، ولدي اكثر من تحفظ على ما يشهر من دعوات للتعايش بينهما ، لانه لا توجد اصلا مشكلة على هذا الصعيد.

لدي - فقط - "رجاء": وهو ان ننجح - مسيحيين ومسلمين - في وضع اشكالية - التبشير - ، الذي يبدو انه يزعج الطرفين معا (ذكر ان في بلادنا اكثر من 40 فرقة تبشير تباشر هذا العمل ، وهي دخيلة على الكنائس المعتبرة) على مهاد توافق ديني ووطني ، لكي نقطع الطريق على دعاة التعصب والفتنة ...ونحافظ على هذه الاوشاج التاريخية التي ما نزال نصونها ونعتز بها حتى الان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد