الثقة بالنواب

mainThumb

13-02-2008 12:00 AM

ربما من قبيل الطرفة تروى الأحاديث عن محام عرضت عليه قضية شائكة فنصح أصحابها بعرضها على محام شاطر ومثلها من الحكايات المشابهة نقلت عن احد رؤساء الوزارات الراحلين انه قال هذه القضية تحتاج لقرار من دولة رئيس الوزراء رغم كون المتحدث كان يشغل المنصب ذاته، أتذكر تلك الأحاديث والروايات وأنا أطالع توصيات اللجنة المالية في مجلس النواب في معرض مناقشتها لقانون الموازنة العامة، فصاحب القرار لا يوصي بل ينفذ ما يعتقد بصوابيته، وقانون الموازنة عندما كان مشروع قانون عرض على النواب بوصفهم أصحاب الولاية الدستورية في تعديله وتطويره لكن أصحاب الولاية مارسوا ما يشبه الاستقالة من مهمتهم الدستورية ليكتفوا بالتوصية وكأنهم ليسوا أصحاب الحق في ما هم به موصون.

مثل هذا الحال يؤكد غياب أو على الأقل تهميش لأبجديات العمل الدستوري عن الذهنية البرلمانية فضلا عن كونه يمثل شكلا من أشكال إعلان استقالة من صلب المهمات النيابية دستوريا واقصد التشريع.

الانكى أن قلة الدراية هذه انسحبت لدى بعض ممثلي الشعب إلى آلية التعاطي مع الحوارات الدائرة حول قانون الضمان الاجتماعي فنرى البعض وقد ترك موقعه المحصن دستوريا في الرقابة والتشريع لينضم إلى مواقع المطالبين بمكتسبات مالية واقتصادية فردية شأنه في ذلك شأن العاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة فنراه يطالب بان يتضمن مشروع قانون الضمان ما يسمح له بجمع راتبي تقاعد وكأن مهمتنا في انتخابه تقتصر على هدف وحيد هو تحسين دخل النائب المتقاعد .

إن سمعت أن ثلة من أعضاء المجلس اعتصموا أمام مجلسهم للمطالبة بالجمع بين راتبي التقاعد أسوة بالوزراء فلن استغرب ذلك بالرغم مما في هذا التوقع من سريالية، رغم أن الأكرم لنا ولهم أن يحدث العكس: أي أن يقفوا وقفة موحدة أثناء مناقشة مشروع قانون الضمان لمنع الوزراء من التمتع بالميزة المشار إليها لا أن يطالبوا بالاشتراك في التمتع بتلك الميزة.

يخطئ النواب المطالبون بهذا الأمر مرتين: يخطئون في المرة الأولى حين ينسون أنهم الجهة التي تشرع وتقر القوانين فيطالبون مكسبا لأنفسهم بلغة تحاكي لغة أصحاب المظلوميات من العاملين في القطاعات المختلفة، ويخطئون مرة ثانية حين ينسون الهدف الدستوري الكريم الذي انتخبناهم لأجله وهو الدفاع عن مصالح الدولة والمجتمع فيكتفون بالدفاع عن مصالحهم ويمكن أن نحيل ذلك إلى رغبة البعض في تجاوز قواعد الثقافة الدستورية أو عدم استيعابها كما ينبغي.

الثقة العامة بالمجالس النيابية تتراجع من مجلس لآخر وهذا الأمر يعترف به النواب المخضرمون، وتراجع هذه الثقة مرده تزايد النزعة الفردية لأعضاء البرلمان على حساب المهمات المنصوص عليها دستوريا، سواء على صعيد الرقابة أو التشريع، ففي مهمات الرقابة نرى أن الأداء في تراجع بحيث أضحى النائب يلهث خلف رضا الوزير لينال مكتسبات مناطقية وخدمية ضئيلة، كما أن مهمة التشريع تكاد تنحصر في قلة من النواب الذين عركتهم السياسة فيما يكتفي الآخرون بالتصويت وهو أمر لا يكلف النائب أكثر من رفعه لإحدى اليدين! نأسف لهذه المطالب الفردية والشخصية التي لا تليق بثلة من نواب الأمة ونأسف أكثر لهذا الجهل بأدنى مقومات الثقافة الدستورية.

samizobaidi@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد