لبنان الساحة والمساحة

mainThumb

11-02-2008 12:00 AM

بلغ الاحتقان في لبنان حدا ينذر بانتقال المواجهات السياسية إلى اشتباكات في الشارع ، بعد أن وصل التصعيد ذروة غير مسبوقة ، وقد تميزت التحضيرات لإحياء الذكرى الثالثة لاستشهاد رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري هذه السنة بـ:

(1) بلوغ المبادرة العربية طريقا مسدودا في ظل استمرار تخندق الأفرقاء حول مواقفهم وشروطهم المسبقة ، وذلك بعد أسابيع قليلة على سقوط المبادرة الفرنسية...

(2) تلويح المعارضة بالاحتكام إلى الشارع والنزول إليه ، وقيامها ببعض البروفات على هذا الطريق من نوع الاعتصامات والمظاهرات والإضرابات ذات الطابع المطلبي...

(3) لجوء الموالاة إلى بعض مفردات الحرب الأهلية ، من نوع أهلا بالمواجهة والحرب ، ولا مشكلة في الحصول على السلاح والتدرب عليه ، وتسيير قوافل من المسلحين في بعض الشوارع والمفترقات وإطلاق النار الكثيف الذي تعدى طابعه الاحتفالي بخطاب هذا الزعيم او جولة لذاك ، إلى استهداف مراكز للمعارضة ومقرات لرموزها كما حصل بإطلاق النار على دارة نبيه بري في عين التينة.

وبعد التأجيل الرابع عشر للاستحقاق الرئاسي ، لا يبدو أن لبنان يقترب من لحظة الخروج من عنق الزجاجة ، وليس مستبعدا أبدا أن يمر تاريخ السادس والعشرين من شباط الجاري ، موعد الجلسة المقبلة لمجلس النواب المقررة لانتخاب رئيس عتيد ، كأي يوم آخر في لبنان ، كما ليس من المستبعد أبدا ، أن تلتئم القمة العربية المقبلة ولبنان من دون رئيس ، هذا إن قدّر للقمة أن تلتئم في الزمان والمكان المقررين لها.

ظاهريا ، يبدو الخلاف بين اللبنانيين منحصرا في العناوين التالية: الموالاة تدعم ترشيح العماد سليمان لرئاسة الجمهورية على أن تبدأ العملية السياسية الوفاقية بانتخاب الرئيس ، ولاحقا تأتي قضايا تشكيل الحكومة وهوية الرئيس ومضمون البرنامج الوزاري ومبادئ قانون الانتخاب الجديد ، أما المعارضة ، فتوافق على انتخاب العماد سليمان ، وإن كان بعضها قد بدأ يسحب أو يلوح بسحب ترشيحه لقائد الجيش ويتهمه بالانحياز لفريق الأغلبية ، وتطالب بالاتفاق على هوية رئيس الوزراء "التوافقي أيضا" ، وتوزيع الحقائب الوزارية والاتفاق على برنامج عمل الحكومة وبيانها الوزاري.

وإذا كانت العناوين السابقة تختصر الأزمة اللبنانية في بعدها الداخلي ، إلا ان الأبعاد الإقليمية والدولية للأزمة اللبنانية تحتل مكانة أكثر أهمية ، فلبنان الذي تحول إلى "عقدة اتصالات ومواصلات" للموفدين والزائرين من مختلف عواصم الأرض ، عاد ليكون ساحة مناسبة لتسوية الحسابات الإقليمية والدولية ، ومساحة تلتقي فوقها العديد من خطوط التماس بين المحاور والمعسكرات المصطرعة.

وقد تحول لبنان إلى ساحة يتنفس عليها الخلاف السعودي - السوري ، بعد أن فشلت جميع المحاولات التي بذلت للتقريب ما بين الرياض ودمشق ، وفي كل مرة كانت تفشل فيها واحدة من هذه المحاولات أو تصطدم بطريق مسدود ، كان الوضع اللبناني يتأزم على الفور ، وترتفع نبرة الخطابة والرطانة المحلية ، ويتحول التراشق الإعلامي بين فريقي 14 آذار والثامن منه ، إلى حالة من القلق والاستنفار الأمني.

وينعقد إجماع المراقبين للأزمة اللبنانية على القول بأن "وفاقا سعوديا سوريا" بات متطلبا ضروريا وشرطا مسبقا لحلحلة العقد المستعصية في لبنان ، وإلى أن يتحقق وفاق كهذا ، فإن من غير المتوقع أن يتقدم لبنان على طريق التهدئة والاستقرار ، بل وربما نشهد قريبا استئناف مسلسل الاغتيالات وتنوع أهدافها ، مثلما قد نشهد احتكاكات بين أنصار الفريقين على إيقاع التصعيد الكلامي ، السياسي والإعلامي من جهة ، وفي مناخات التسلح والتدريب وعودة "النبرة المليشياوية" لأمراء الحرب الأهلية وزعماء الطوائف من جهة ثانية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد