الأردن و حيص بيص مستوى المشاركة في القمة العربية ؟ .

mainThumb

09-02-2008 12:00 AM

يبدو أن سورية عازمة على عقد القمّة العربية بين 28 و 29 آذار المقبل في وقتها وبمن يحضر وسط رشح معطيات تفيد بتلويح عربي بمقاطعة أو تخفيض تمثيلها إلى هذا الاستحقاق الاقليمي بسبب دورها في تعثر جهود نزع فتيل أزمة لبنان.

عمان لم تحسم موقفها بعد.

يصل وزير الخارجية السوري وليد المعلم قريبا إلى عمّان حاملا دعوة من الرئيس بشّار الأسد للملك عبدالله الثاني لحضور هذه القمة العربية.

بعد التبليغ الرسمي, سيحسم الأردن مستوى مشاركته السياسية في أعمال القمة الاشكالية, في وقت يتوقع أن يربط غالبية القادة العرب مستوى التمثيل بما سيحصل في بيروت. يأتي ذلك وسط تصاعد الاتهامات العربية والغربية لسورية بأن دورها يعطل مبادرة الإجماع العربي كسلة متكاملة بهدف خلق فراغ رئاسي وسياسي يفضي إلى دب الفوضى واستعادة النفوذ السوري هناك.

موقف سورية المتشدد يستمد قوته من تخبط السياسة الامريكية وإخفاقها في حسم معضلة القضية الفلسطينية بعد أن استباحت العراق.

أي من الدول العربية لمّا تعلن, بعد, موقفها من المشاركة في القمة, وسط تهديدات غير علنية لقادة السعودية ومصر- حلفاء الاردن- بالامتناع عن حضور أعمال القمة وربط مشاركتهما بانتخاب رئيس لبناني قبيل القمة.

لكن تردي الأوضاع في لبنان سيصاحبه تدهور في العلاقات العربية-العربية, ما قد يضع مصير قمة دمشق في مهب الريح إذا أصّرت بعض الدول العربية والأجنبية على الإعلان صراحة عمّن يعطل الحل في إطار إفهام سورية وإيران أنهم عازمون على انقاذ لبنان.

يقول ساسة إن الأردن سيعلن مستوى مشاركته في القمة بعد التشاور مع حلفائه العرب, وإنه ما زال هناك متسع من الوقت لذلك. لكن الأردن سيمر في حالة "حيص بيص" تجاه مستوى التمثيل بسبب تعامل دمشق السلبي مع ملفات عربية عدة, منها الفلسطيني والعراقي والعلاقة مع ايران. والأردن يريد التعاون مع الجميع لتحسين المناخات العربية.

ويتضاءل الرهان العربي يوما بعد يوم حيال إمكانية نزوع سورية إلى الاستجابة السريعة من أجل تفادي فشل القمة, عبر معالجة الأسباب التي تظهرها خارج معادلة التضامن العربي على حساب الوقوف في الخندق الإيراني مئة في المئة. ذلك بات واضحا عقب فشل محاولة امين عام الجامعة العربية عمرو موسى الأخيرة لإنقاذ لبنان وتأجيل جلسة انتخاب الرئيس من 11 الى 26 شباط الحالي.

من بين الأوراق التي قد تخرجها سورية لتفادي التأزم في علاقاتها العربية دعوة حلفائها اللبنانيين إلى انتخاب رئيس جديد هو مرشح التوافق العربي واللبناني العميد ميشال سليمان قبل عقد القمة العربية. وبذلك تزيل حجة الجهات العربية التي قد يقاطع قادتها القمة من دون التخلي عن أوراقها الأخرى.

لكن ما الضمانة بأن هذا الانتخاب سيؤدي الى تشكيل حكومة جديدة? فما الذي يمنع حلفاء دمشق من البقاء على مطالبهم في شأن تشكيل الحكومة فيتعذر قيامها, بعد أن تكون حكومة الرئيس فؤاد سنيورة باتت مستقيلة حكما وفق ما ينص عليه الدستور عند بدء ولاية رئاسية جديدة? وفي ذلك تكبيل للرئيس الجديد وشلل للحكومة التي تدير البلاد والانتقال إلى فصل جديد من التأزيم يستمر حتى إحداث تغيير في موازين القوى لمصلحة المعارضة لدى استحقاق الانتخابات التشريعية عام 2009? فسورية معنية اليوم في كسب الوقت لتعطيل مسار المحكمة الدولية تفاديا لمقاضاة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري قبل ثلاث سنوات. المحكمة التي تبدأ أعمالها هذا الصيف تبقى كالسيف المسلط على رقبة سورية. لكنها تشعر بقوة الموقف بعد تعثر الجهود الدولية بقيادة أمريكا لعزلها سياسيا بسبب دورها الداعم لحركة حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني.

عمان وغيرها من العواصم العربية تخشى سيناريو تفريغ الرئاسة والحكومة اللبنانية.

فهي من جهة حريصة على ألا "تتضعضع" علاقاتها الاستراتيجية السياسية الاقتصادية المتنامية مع السعودية, ومن ورائها مصر لكنها في نفس الوقت حريصة على الابقاء على "توالي" الإجماع العربي .

وستخلص الى قرار المشاركة في القمة بطريقة تحافظ على التوازن المطلوب لأن مزيدا من الانشقاق العربي على خلفية موقف مصر والسعودية سينقل الخلاف العربي حول لبنان إلى مستويات جديدة. إذ ستتضامن معها دول عربية عديدة حتى لو قرر قادتها عدم حضور القمة. ذلك سيؤثر حكما في رئاسة سورية لمؤسسة القمة خلال السنة المقبلة وأيضا في إطار ما تبقى من التضامن العربي والعمل العربي المشترك في المرحلة المقبلة.

وأخيرا, لا يريد الأردن أن يفقد فرصة استمرار زخم إزالة التوتر في العلاقات الثنائية مع سورية امتدادا لمبادرة الملك عبدالله الثاني أواخر العام الماضي حين زار دمشق لأول مرة منذ أربع سنوات واتفق مع الأسد على حلحلة قضايا ثنائية عالقة تتصل بالأمن وترسيم الحدود وتقاسم المياه.

هذه الملفات لطالما ساهمت في توتير المناخات بين البلدين وحالت دون قيام مقاربة مشتركة شاملة لأزمات المنطقة في العراق وفلسطين ولبنان بغض النظر عن علاقاتهما المتضاربة بمحور"رباعية المقاومة" - إيران وسورية وحماس وحزب الله من جهة, ومحور "رباعية الاعتدال العربي " - السعودية, مصر, الامارات العربية المتحدة والاردن من جهة اخرى.

في حسابات عدد كبير من المسؤولين الاردنيين فإن سورية حصلت على أضعاف ما حصل عليه الاردن منذ تلك الزيارة مع استمرار تنامي نفوذ محور التشدد في فلسطين ولبنان ضمن صراع الهيمنة على المنطقة بين "اسرا-أمريكا" من جهة وإيران من جهة أخرى. لكن عمان بحاجة إلى الإبقاء على شعرة معاوية مع دمشق وإلى توسيع دائرة العلاقات السياسية بسبب التناقضات الدولية والمعطيات الجغرافية والاقتصاد والديمغرافية.

صحيح أن زيارة الملك الأولى إلى دمشق, بحسب أصحاب القرار, لم تكن تهدف أساسا إلى اقناع سورية بالنزول عن الشجرة الإيرانية والارتماء في الحضن العربي. فذلك من باب المستحيل ويتطلب دفع ثمن غال لتعويض النفوذ الإيراني السياسي والاقتصادي في سورية . لكنها جاءت ضمن جهود البحث عن صفقات تضعف الحلفاء الاساسيين لطهران التي تدير خيوط الأزمة في لبنان والعراق وفلسطين ومحاولات حلحلة الموقف السوري لترطيب الاجواء قبيل القمة العربية. لذا كان الإصرار الاردني على تسهيل الانتخابات الرئاسية اللبنانية والمشاركة في مؤتمر أنابوليس للسلام نهاية تشرين الثاني 2008 ودعم السلطة الوطنية الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

هذه العناوين السياسية الثلاث للمناورة الاردنية أُكدتْ لاحقا في بيان مشترك, ساهم في التوافق على الحد الأدنى من النقاط. لكن شيئا لم يحدث. فمرشح التوافق العربي العميد سليمان لم ينتخب حتى اليوم, والرئيس الامريكي ضرب مصداقية دول الاعتدال العربي بسبب عجزه حتى الآن عن دفع رؤيته لتحقيق قيام دولة فلسطينية مستقلة قبل نهاية ولايته. حماس ما زالت متخندقة في قطاع غزة في ظل تنامي شعبيتها بعد تفجير الجدار الحديدي الذي يفصل مصر عن القطاع المحاصر قبل أسابيع. وبذلك أحرجت حماس الرئيس الفتحاوي عباس والقاهرة.

على المستوى الثنائي, ورغم التئام اللجنة العليا الأردنية-السورية في عمّان قبل ستة أسابيع واتفاقها على عناوين اقتصادية وتعاون مائي, إلا أن دمشق لم تفرج إلا عن 18 سجينا أردنيا بين معتقل ومحكوم من أصل 210 اردنيين. ويبدو أن أمور تسوية هذا الملف الذي وعد به الرئيس السوري توقفت هنا وبالتالي دخلت مرارة في حلق الاردن.

لكن هناك فرصة متاحة وأخيرة اليوم لدور عربي مميز في العراق وفلسطين ولبنان وفي مواجهة الولايات المتحدة وإيران. وثمّة حاجة ماسة لإشهار هذا الدور خلال القمة العربية بدلا من خلق أعذار للتغيب أو الامتناع عن المشاركة. ومن واجب العرب المشاركة والتعبير صراحة عما يجول في الخواطر حول موقف سورية من قضايا المنطقة في العراق وفلسطين ولبنان بدلا من تحقيق حلم إيران بعزل العرب عن ملفاتهم المهمة.

يبقى السؤال هل ستعقد القمة حسب رؤية الهلال الشيعي او السعودي او الهلال المصري او السوري?!.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد