كلفة اقتصاد السوق .. اجتماعية بحتة

mainThumb

21-02-2008 12:00 AM

لا يمكن القفز عن الشأن الوطني الاقتصادي أو السياسي، رغم أن المحيط الإقليمي ملتهب ففي العراق مزيد من القتل والدمار، وفي فلسطين مزيد من الحصار والانكسار السياسي وظلال من الشك على المصير (...) ولبنان على حافة هاوية حرب أهليه في ظل أزمة موالاة ومعارضة هدفها الأساس إعادة صياغة خارطة اتفاق الطائف.

قُلت أن الشأن الوطني (اقتصاديا وسياسيا) مسألة لا يمكن القفز عنها في ظل كل هذه الفوضى الإقليمية، لكني هذه المرة سأمر من جانب السيف، وليس على حده.

وضعنا الاقتصادي مقلق وحساسا يحتاج إلى وقفة فحص حقيقة لا مزيفة، لأن المراجعة والتقييم مسألة كفيلة لتجنيب إدارة الدولة مأزق أمني واجتماعي يشكل عماد استقرارها. فمنذ "تحرير" أسعار المحروقات حدث تغييرا مهما وكبيرا في الواقع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين من فئة الموظفين المرتبط استمرارهم بالحياة بقدراتهم الشرائية المرتبطة عضويا برواتبهم، والتغيير له انعكاسات اجتماعية خطيرة بدأت ملامحها بالسرقات وتزايد الانحرافات الأخلاقية.. صحيح أنها لم تتحول إلى ظاهرة بعد، لكن يقين من يراقب المشهد وتفاصيله يعي سريعا أننا على مشارف تحول يؤدي إلى تفشي عضوي لظاهرة الجريمة بكل أشكالها المادية والمعنوية. فالإنسان الذي فقد جزء كبيرا من قدرته على سداد احتياجاته سيبحث عن بدائل، حتما جزء منها بدائل لن تكون مشروعة نتيجة لظرف موضوعي أساسه أن الفئة المستضعفة تلمس بوضوح أن إحساس المقتدر بغير المقتدر أمر غير وارد والتجربة دليل أكيد فرأس المال يدافع عن رأس المال وهو دفاع عن مصالح ذاتية طبقية.

وأيضا، بحث التجار كل التجار وأصحاب المصالح عن وسائل رفع أسعار سلعهم بحجج ارتفاع أسعار المحروقات - يمكن قبوله لو كان في حدوده الطبيعية - لكن أن تقفز الأسعار لرقم كبير يكشف أن هؤلاء لا يريدون تغطية النفقات الإضافية فقط بل أنهم يريدون توسيع هامش ربحهم.

والحال هذا، يتكشف حقيقة غير ملتبسة أن الضرائب ونتائج رفع أسعار المحروقات كلها يتحملها المواطن كاملة ويتفنن رأس المال في عدم تحملها عبر إبداعات خلاقة لذلك، ولنا أن نفحص أمرا واحدا وهو أن النقل عندما رفعت هيئة القطاع (هيئة قطاع النقل) بنسبة (10%) الأجور رفض العاملون هذه النسبة ويريدونها نحو (30%). وحقيقة لم أدهش كثيرا عندما قال ممثل شركة ألبان وهو يتحدث أمام اللجنة المالية والاقتصادية في مجلس النواب مؤخرا من أن شركته أو مصنعه رفع أسعار الألبان منذ أشهر متضمنة زيادة متوقعه للكهرباء، وعندما قيل له لكن أسعار الكهرباء لم ترفع بعد، رد بالقول: رفعناها مرة واحدة وعلى اعتبار ما سيكون. إن إجابة ممثل مصنع الألبان تختصر المشهد، ذلك المشهد الوطني الذي تخلت عنه الدولة في سياق التماهي مع اقتصاد السوق، وحتى المادة (7) في قانون الصناعة والتجارة التي تجيز للحكومة تحديد أسعار بعض السلع لا يبدو أن هناك مجالا لتنفيذها، وهو ما كان أكثر من واضح في رد وزير الصناعة على سؤال مالية النواب. نعم، نحن أمام مأزق وطني اجتماعي في ظل وحشية رأس المال واقتصاد السوق، والدولة ستكون في مأزق أعظم وهي ترى حاضنتها الاجتماعية تتهاوى وتنهار بلا رحمة، طالما هي حددت خياراتها من غير أن تدرس تبعات هذه الخيارات وكلفها الاجتماعية وبأشكال مختلفة ومتنوعة.

هل فقدنا الوقت والقدرة على المراجعة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعدما ثبت أن زيادات الرواتب تقارب العدمية، وبتنا أمام تغيير حتمي في حسبة تقاعد الضمان الاجتماعي بما يقللها بصورة لافتة؟ لا أدري ربما الوقت فات لكنه لم يفت بعد على تداعياته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد