الدور الإقليمي و الأزمة الاقتصادية ! .

mainThumb

16-02-2008 12:00 AM

القدرة على بناء خيارات استراتيجية صحيحة في السياسة الخارجية هي أحد أسرار قوة الأردن واستقراره. لذلك تُشكل السياسة الخارجية، على الدوام، مسألة حيوية يتم رسمها وصوغها على أعلى المستويات، وتحظى بنصيب وافر من اهتمام صانع القرار، ويتم الاعتماد عليها في مواجهة المخاطر الخارجية وبناء دور إقليمي وانتزاع مكانة استراتيجية، على الرغم من صغر حجم الدولة وانتشار مصادر التهديد والخطر، ليس فقط على مصالح الدولة وأمنها، بل على وجودها وبقائها، في وقت أطيح فيه بدولة إقليمية محورية كالعراق، وتواجه دول أخرى أزمات استراتيجية وأمنية وبنيوية.

في مرحلة الحرب العراقية- الإيرانية تُمكّن الأردن من بناء دور سياسي إقليمي متقدّم، واستثمر في مؤسسته العسكرية في العلاقة مع العراق ما وفّر للبلاد مصادر مالية، عراقية وخليجية، ساهمت في تحريك عجلة الاقتصاد الوطني، ورفع مستوى مخرجات المؤسسات التعليمية الأردنية، التي قدّمت - بدورها- خبرات مهنية وفنية هاجرت إلى الخارج، وشكّلت حوالاتها السنوية مصدراً جديداً من مصادر الدخل القومي.

وساهم الأردن، بالاعتماد على مؤسسته العسكرية والأمنية أيضاً في امن الخليج العربي، من خلال تأمين حدود شمالية مستقرة، وتقديم خبرات ومهارات لهذه الدول وعقد دورات تدريبية لعسكريين وضباط خليجيين في الأردن.

ووفقاً لأندرو تيريل، في تقريره "الأمن القومي الأردني والاستقرار السياسي في الشرق الأوسط" (الصادر حديثاً عن مركز الدراسات الاستراتيجية التابع لكلية الحرب الأميركية)، فإنّ الأردن لعب دوراً كبيراً وحيوياً بعد حرب العراق في دعم الاستقرار السياسي هناك وتدريب آلاف من أفراد الشرطة والجيش العراقي وتقديم خدمات أمنية كبيرة. وفّر كل ذلك دوراً إقليمياً، وضاعف من المساعدات الأميركية للأردن، إذ ستصل قرابة ستمائة وخمسين مليون دولار خلال عام 2008. ويشير تيريل في تقريره إلى مشاريع يجري تطويرها تقوم على زيادة عدد العسكريين الخليجيين الذين سيجري تدربيهم في الأردن خلال السنوات القليلة القادمة، ما قد يرشّح الأردن ليكون مركزاً إقليمياً للتدريب العسكري والأمني.

لكن؛ ومع اعتماد الاقتصاد الوطني على الدور الإقليمي، فإنّ الظروف المتغيرة تجعل من هذه العلاقة غير مستقرة ومتذبذبة، وليست مبنية على أسس استراتيجية راسخة، بل هنالك أزمة – ابتداءً- في تعريف الدور الإقليمي الأردني ذاته بين مرحلة وأخرى. هذا ما تُبرزه بوضوح المرحلة الحالية؛ إذ ثمة شُحّ كبير في المساعدات الخارجية مقارنة بحجم الأزمة الاقتصادية القائمة، بعد رفع الدعم عن المحروقات وارتفاع أغلب الأسعار والخدمات، وتبيّن عدم قدرة الدورة الاقتصادية على حمل العبء الاقتصادي ومشكلاته وحدها ما يصيب عصباً حساساً على صعيد اقتصادي واجتماعي والسياسي.

في هذا السياق؛ يبدو الرهان على دور إقليمي على الجبهة العراقية ذات "مردود محدود"، غير مضمون استراتيجياً، لا يساعد بنيوياً في حل الأزمة الاقتصادية الداخلية. بينما يُشكل رهان نخبٍ سياسيةٍ على الدور الإقليمي في الضفة الغربية عملية معقّدة تجلب الحساسية الأمنية الداخلية التي تُهدِّد التوازن الديمغرافي- السياسي، ما يجعل الإقدام عليها، حتى مع غواية "الأفق الاقتصادي الجديد"، مجازفة تحتوي على قدرٍ كبيرٍ من الخطورة الوجودية، مع إخفاق التسوية في الوصول إلى نتائج واضحة، تكشف طبيعة المرحلة القادمة، ومدى مساهمتها في خدمة الاقتصاد الوطني. في المقابل فإنّ الخطاب الرسمي واضح غاية الوضوح، في الفترة الأخيرة، في مسألة العلاقة مع الضفة الغربية، على الرغم مما يثور بين آونة وأخرى من تحليلات وتسريبات وتكهّنات حول أجندة أميركية وإسرائيلية، وربما لنخبٍ فلسطينية وأردنية، تدفع باتجاه هذا السيناريو.

يبقى أنّ الاختبار الرئيس للدور الإقليمي الأردني، في المرحلة القادمة، يكمن في مجال العلاقة مع دول الخليج، التي شهدت ترميماً كبيراً في السنوات الأخيرة، بعد أزمة حرب الخليج 1990، واستطاع الأردن إعادة تكريس صورته صديقاً يمتلك مميزات ويقوم بأدوار استراتيجية، لدى بعض نظم الخليج العربي، وعاد الخليج مستورداً جيّداً للعمالة المهنية الأردنية، بعد فترة من الانقطاع السابق.

إلاّ أنّ صمت دول الخليج عن محنة الأردن الاقتصادية وعدم مساهمتها الجدّية في دعم الموازنة الأردنية يطرح تساؤلات لدى نخب سياسية محلية حول تعريف العلاقة الأردنية- الخليجية، وقراءة الأصدقاء الخليجيين لطبيعة هذه العلاقة ووزنها الاستراتيجي.

ففي الوقت الذي يصر مسؤولون أردنيون كبار على أنّ الأردن حقق تحولاً استراتيجياً في هذه العلاقة خلال المرحلة الأخيرة، وأنّه بات يلعب دوراً وظيفياً Functional Role، فإنّ المؤشرات المختلفة، أبرزها محدودية الدعم الخليجي، لا تشير إلى أنّ الأصدقاء يشاركوننا هذه القناعة، ولا أنّهم يلتزمون بصورة واضحة في صيغة هذه العلاقة وموازينها. ما يدفع إلى الاعتقاد أنّ "الحب من طرف واحد" أو صيغة العلاقة ما تزال ضبابية أو أنّها تتسم بطابع "المساعدات الخيرية".

المعادلة قد تبدو، بصورة أوّلية، أنّ الأردن هو من يحتاج دول الخليج، وهذا صحيح تماماً، لكن الطرف الآخر للمعادلة، استراتيجياً، يُبرز أنّ الأردن يلعب دوراً بنيوياً في حماية أمن الخليج ومصالح دوله. فبعيداً عن قيم العلاقات العاطفية الجيّاشة، التي لا تتعلق فقط بالأردن والخليج، بل العرب جميعهم، فإنّ منطق "المصالح المتبادلة" يدفع للاتفاق على طبيعة الدور الإقليمي الأردني.

قد أتفق مع الأقلام الصحافية (المحسوبة على جهة محدّدة في الحياة السياسية) حول انتقاد زيارة الوفد البرلماني الأردني لطلب المساعدات الخليجية، بما يشكله (ذلك) من تصرفات غير مؤسسية تضر بصورة الأردن وفكرة "الدور الوظيفي" التي نسعى لتكريسها، لكن أختلف مع هذه الأقلام في عدم إبقاء هذا الملف رهناً بيد طرف واحد، وفي أنّ العلاقة "الأردنية- الخليجية" وتكريس فكرة "الوظيفية" تستدعي بناء مفهوم "الدبلوماسية الشعبية" من خلال المجتمع المدني والباحثين والخبراء لتكريس نمط العلاقة المطلوب لدى "النخبة الخليجية"، ولمواجهة التيارات أو الشخصيات المعادية للأردن في دول معينة، ولتسهيل مهمة (هذه) الدول في تسويق المساعدات المالية للأردن، لدى الرأي العام الخليجي.

ثمة مسألة أخيرة؛ وهي أنه في حال كان شح المساعدات الخارجية مرتبطاً بأجندة أميركية، كما تتوقع بعض النخب، وإن كنت أستبعد، فمن الضرورة بمكان ألا يكون ذلك موضع تكهن وتنبؤات، وإنما موضع تحليل ودراسة وتفكير في البدائل الاستراتيجية.

m.aburumman@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد