رائحة (القِرف?Zه)

mainThumb

04-03-2008 12:00 AM

قبل يومين خرجت من وطن الرحم.. تلقّت شهادة العمر القصير من نافذتها.. ثم دخلت في رحم الوطن..

تلك الرضيعة الغزّية..التي غافلها الموت كما النعاس فأثقل جفنيها الرقيقين.. مسح بكفّه الأحمر قبلاً قليلة لامست وجنتيها الورديتين..ثم تركها تنزف لباءً أبيض وألماً اسود كليل المدينة...تلك الرضيعةالغزّية التي حضرت من غير اسم وغادرت من غير اسم.. بفمها لهّاية الرصاصوبعنقها خيط دم..رحلت دون أن تكمل رضعتها الخامسة لتصبح اختغزّة بالرضاعة والرصاصة والحصار والدمار والدم المخثّر قرب القبور..

تلك الرضيعة الغزيّة ..المحمولة بيد واحدة كهدية ،ملمومة الأعضاء كما لو انها في الرحم نائمة... كبرعم ورد يطل دمها الزاهي من كفنها الأخضر..كم أوجعتنا ؟! كم قزّمتنا ؟! كمّ أزّمتنا؟! يا لندى العينين الدامعتين..كيف اغتيلتا؟؟..

قبل يومين كان في بيتهم طقوس ولادة، عُلّقت قناديل الفرح بين العيون، انتشرت رائحة القرفة المغلية هناك، وأورقت ضحكات الأمهات في سماء الدار، ليلة واحدة تهجّت الصغيرة صدر أمها ..قرأته بفمها كما تفعل كل الزنابق ثم رحلت.. ليلة واحدة مسحت الأم عرق حبيبتها المطيّب بالدعاء والامنيات الكبيرة ثم رحلت.. ملابس القطن..قمصانالزهر ..أساور الخرز.. قبعات الشتاء ..بقيت في الأدراج نائمة حتى تستيقظ دمية الزهر.. فراشها الممهّد فوق رأس الأم بحجم الوسادة وغطاؤها الصوفي الجديد لم يضم الجسد الشفاف سوى ليلة واحدة .. ثم طوي بالحزن ورائحة الطفولة كمساءات غزّة..

رحلت الصغيرة ولم ترحل رائحة القرفة بعد ، هكذا دائماً يموت الورد ويبقى ريحه ، ينتهي العيد وتبقى أراجيحه..

في البيت ،في الحي، في غزة ، في فلسطين ، في الدنيا ..رائحة القرفة لم ترحل بعد..أتعرفون لماذا ؟ غزّة تولد من جديد...

ahmedalzoubi@hotmail.com




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد