الراقصون على جراحنا النازفة

mainThumb

03-03-2008 12:00 AM

ما عاد شلال الدم المراق في قطاع غزة كافيا على ما يبدو ، لتوحيد شطري الوطن الفلسطيني أو للتقريب بين جناحي الحركة الوطنية والإسلامية ، ونخشى أن الزمن الذي كان فيه "الميدان" كفيلا بتوحيد البنادق التي فرقتها السياسة قد ولّى ، بعد رحيل القادة الكبار من ياسر عرفات إلى الشيخ أحمد ياسين مرورا بجورج حبش وأبو علي مصطفى وغيرهما من رموز العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني ومناراته. ففي الوقت الذي كانت فيه دماء أطفال غزة ونسائها وشيوخها وشبانها تراق بغزارة على مذبح "المحرقة النازية" الجديدة ، كان "فرسان تصريف الأعمال" في رام الله والناطقون باسم "حكومة الأمر الواقع" في غزة ، يتبادلون الاتهامات والشتائم ، في واحدة من أبشع عمليات القصف (الردح) العشوائي بين أبناء الوطن الواحد.

ومن المؤسف حقا ، أن الأشلاء الفلسطينية لم تعد لها من "وظيفة" عند هؤلاء على ما يتضح ، سوى "البرهنة على صحة توجه هذا الفريق وبؤس مقاربة ذاك" ، في واحد من أبشع فصول التوظيف الرخيص للمعاناة الفلسطينية ، خدمة لمآرب "زعاماتية" فارغة من أي مضمون ، وصراع مخجل على سلطة آيلة للسقوط.

ولئن وحّد العدوان البربري تلفزيوني فلسطين والأقصى في تغطية أنباء الحرب المفتوحة على الأهل في القطاع المنكوب ، إلا أن سياسة الغمز واللمز ظلت سيدة الموقف و"الشاشة" ، والخلفية التي تحكم "السياسة التحريرية" في المحطتين المتنازعتين ، إلى أن وصل الأمر ذروته في التصريحات البائسة التي أدلى بها وزير الإعلام الفلسطيني ، والتي منح فيها حكومة أولمرت صك براءة مجانيا من دم الفلسطينيين ، واضعا اللائمة كلّها على كاهل حماس ، وبلغة لا تخلو من الشماتة والتشفي و"انتظار الفرج" حتى وإن جاء على ظهور الدبابات الإسرائيلية (؟،) ، وليبدأ بعد ذلك سيل الاتهامات الحمساوية الذي طاول الجميع ولم يفرق بدوره ، بين مواقف لأسماء وشخصيات ثانوية تضخمت على هوامش "فساد المجتمع المدني" وأموال "مركز بيريز" ، وبين الحركة الوطنية الفلسطينية كما تجسدها فتح بإرثها وتاريخها المعروفين.

لقد استمعت لكبير المفاوضين - ولا أدري فعلا إن كان هناك كبير للمفاوضين - وهو يحذر من مغبة إعادة إنتاج تجربة الكوريتين واليمنين والكونغو برازافيل والكونغو كينشاسا ، من دون أن يرتبط هذا التحذير عنده بأي مبادرة من أي نوع ، لجسر الفجوة وتجاوز الانقسام ، لكأن الوحدة الوطنية ستهبط على الفلسطينيين بالمظلة ذات يوم مشمس ، ولا تحتاج إلى مبادرات وتنازلات متبادلة يتقدم بها الفلسطينيون بعضهم لبعض ، أو لكأن تقديم التنازلات للخصوم ، تارة على موائد اللئام في أنابوليس وأخرى على موائد الهدنة والتهدئة ، بات أسهل على الهضم والاستيعاب من تقديمها لرفقاء الخندق الواحد والقضية الواحدة على مائدة الحوار الوطني والوحدة الوطنية.

جرح غزة النازف دما ودموعا ، غائر عميقا في أرواحنا وضمائرها وعقولنا ، لكن هذا "الهراء المتبادل" على أثير الفضائيات وصفحات الجرائد ، يجعل منه جرحا متقيحا ، غير قابل للشفاء والبلسمة.. وكلما أوغل هؤلاء الوزراء والناطقون في "تحليلاتهم واستخلاصاتهم" وتمادوا في الرقص على جرح غزة النازف ، تفاقمت أعراض "الغرغرينا" ، وارتفعت درجة حرارة الجسد الفلسطيني المصاب بالحمى ، وأحسب أن صمت هؤلاء هو أفضل خدمة يمكن أن يقدموها لشعبهم وقضيتهم ، وفي مطلق الأحوال ، هو الحد الأدنى المقبول للتعبير عن احترامهم لأرواح شهداء غزة وعذابات مواطنيها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد