أزمة العيش

mainThumb

19-03-2008 12:00 AM

يقف اخواننا المصريون منذ الفجر في طوابير طويلة انتظارا لشراء"رغيف خبز" ، ولم يخل الامر من اشتباكات وقتلى ، فأزمة العيش كما تسميها الصحف المصرية اصبحت مصدرا للقلق ، وهي تعكس تراجع الاوضاع الاقتصادية للمواطن المصري ، وما طرأ من اصابات على المجتمع جرّاء فشل السياسات التي انتهجتها الحكومة لمواجهة موجة ارتفاع الاسعار ، ومشكلة الازدياد السكاني ، وتوزيع مكتسبات التنمية ، وترتيب الاولويات الاقتصادية والسياسية.

الرئيس مبارك حمّل رئيس حكومته مسؤولية الازمة ، واوعز للجيش بالتدخل لتزويد الناس بالخبز ، ووعد بان تحل المشكلة في ايام ، لكن انتهاء الازمة لا يعني ان العافية عادت الى الاقتصاد المصري ، او ان الناس هناك خرجوا من غائلة الجوع التي اصبحت تهدد الكثيرين ، وتنذر بأسوأ المآلات.

الحالة المصرية يمكن تعميمها على كثير من دولنا العربية ، والاختلاف هنا في درجة السوء لا في النوع ، فبلدنا - مثلا - يعاني من ذائقة اقتصادية غير مسبوقة ، ومن المتوقع ان تتفاقم اذا لم تتحرك الحكومة لتطويقها ، فقد تجاوزت نسبة التضخم حدود الـ10% (اسعار المستهلك في شباط الماضي ارتفعت بنسبة 12,5% عما كانت عليه في شهر شباط من العام الماضي: تصور؟،) ، كما كشف الاستطلاع الاخير الذي اجراه المركز الاستراتيجي للدراسات ان نحو %55 من المواطنين اكدوا ان اوضاعهم الاقتصادية اصبحت اسوأ مقارنة مع اوضاعهم قبل ثلاث سنوات ، وهذه المرة الاولى التي يتجاوز فيها شعور الناس بسوء الاوضاع الاقتصادية حاجز الـ50% ، (اظهر استطلاع تقرير مؤشر المستهلك لشهر شباط الماضي ايضا ان %62 من الاردنيين يرون ان اوضاعهم ازدادت سوءا).

لا حاجة - بالطبع - الى استعراض اوضاع الاشقاء في فلسطين (غزة تحديدا) او لبنان او العراق.. وغيرها من اقطارنا العربية ، فالحال من بعضه ، لكن ما يلفت النظر ان ثمة ظاهرة عامة (تسونامي ان شئت) اسمها "الافقار او التجويع قد اجتاحت منطقتنا ، وان اسبابها ما تزال مجهولة ، كما ان استحقاقاتها غير مفهومة حتى الان ، والمسألة ليست لغزا بالتأكيد ، ولا يقف وراءها ارتفاع الاسعار العالمية فقط او تصاعد الاستهلاك الصيني او ازدياد الطلب على النفط.. الخ ، مما يدعو الى التساؤل مجددا:لماذا حدث ذلك؟ومن يتحمل مسؤوليته المباشرة وغير المباشرة ، والى اين ستمضي بنا هذه الموجة وما هي استحقاقاتها ، ثم.. ما ذا يمكن ان نفعل لمواجهتها؟.

باختصار ، المشهد الاقتصادي العربي لا يختلف عن المشهد السياسي العربي ، والازمة تبدو مشتركة بين الطرفين ، واذا كانت مكانة عالمنا العربية السياسية قد تراجعت بصورة مذهلة في السنوات الاخيرة ، فان مشاركته على صعيد الاقتصاد العالمي تبدو بائسة جدا (خذ مثلا: اجمالي الانتاج العربي لا يتجاوز 2% من الناتج العالمي ، التجارة الكلية العربية تمثل3% فقط من حجم التجارة العالمية ، معدل البطالة في العالم العربي بين 15 - %20 اذ ان اكثر من 20 مليون عربي عاطل عن العمل ، قيمةالواردات الغذائية العربية تجاوزت 25 مليار دولار مقابل 5 مليارات للصادرات..).

قد يقال - وهذا صحيح - بانه لا تنقصنا الموارد ولا الامكانيات ولا الاموال (اين هو المال العربي واين السيولة النقدية التي هربت الى الغرب واين... واين؟) ولكن تنقصنا ارادة التغيير ، وارادة التغيير هنا تحتاج الى افكار واشخاص وادوات ، وهؤلاء لهم مواصفاتهم المعروفة ، ومن اسف اننا لا نزال "نمضغ" الحلول والمعالجات ، ولا نجرؤ على تصويب اخطائنا ، او الاعتراف بها على الاقل.

من المفارقات اننا ما نزال "نغطي" على ازمتنا الاقتصادية بمزيد من "الغلق" السياسي ، ونكافىء مواطنينا الذين شدوا الاحزمة على بطونهم بالحرمان من المشاركة ، وبابداع ما لا يمكن ان يخطر على البال من وسائل لاقصائهم ودفعهم الى الاستقالة من التفكير والعمل وحرية الشكوى والانتقاد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد