مؤتمر دولي: سياحة خريف العمر السياسي

mainThumb

10-08-2007 12:00 AM

عندي مقترح في غاية الأهمية لـ"الدبلوماسية الأردنية" بخصوص المؤتمر الدولي المزمع عقده في مقبل الأيام. وبما أن الأردن عراب دول الاعتدال في المنطقة، ويحظى بعلاقات مميزة مع كل الأطراف الفاعلة، ويتبنى السلام خيارا استراتيجيا، وينبذ التطرف والإرهاب، وما إلى ذلك من سمات لا تجتمع في غيره، فلا بد أن يعقد المؤتمر في البتراء. فإن خرج بحل للصراع العربي الإسرائيلي كان عجيبة ثامنة من عجائب الألفية الجديدة، وإن كان حفلة وداعية لبوش يستفاد منه سياحيا في الترويج للبتراء وزيادة نسبة الإشغال فيها. تماما كما حصل في"شرم الشيخ " فذلك المنتجع البحري القصي ازدهر بفعل ماكنة الدعاية التي وفرتها مؤتمرات المنطقة الفاشلة، يكفي هنا تذكر تلك القمة العالمية لمكافحة الإرهاب قبل أكثر من عقد.

يبدو التوقيت مناسبا جدا وهو في "الخريف". فالرئيس الأميركي في خريف عمره السياسي، وبحاجة حقيقية إلى حفلة وداعية، إن لم نقل حفلة تأبينية، تلقى فيها كلمات آل الفقيد والأصدقاء ورفاق الدرب. يمكن توسيع الحفلة بما أنها حفلة، والتذاكر على حساب المدعوين، والإبهار من شروطه انعدام الصلة بالواقع؛ كرزاي شخصية مفيدة جدا لبوش، لا بد من دعوته، فالرجل يشكل النجاح الوحيد للمحافظين الجدد، حاكم مثالي، نكرة جاء من شركات النفط الأميركية ليحكم بلدا عجزت عن حكمه الإمبرطوريات البريطانية والسوفيتية، وهو عارض أزياء من طراز رفيع، أنيق وخطيب مفوه، سيعطي المؤتمر مغزى مهما، ليس غطاء إسلاميا فحسب، وإنما تعريفا صحيحا للمواجهة مع "قوى التطرف" التي جيش المؤتمر لمحاربتها، فالمواجهة مع طالبان أفغانستان هي ذاتها مع طالبان غزة(حماس)، وطالبان لبنان( حزب الله).

الدعوات مفتوحة مع اصطحاب الصغار، المشكلة في مدعو واحد، هو بشار الأسد، فالأصل أن يدعى باعتبار أن تعطل مسار التفاوض السوري الإسرائيلي هو الذي يعرقل الوصول إلى تسوية إقليمية. في المقابل لا تخفى النوايا الأميركية في عزل سورية. وهي ضمنا عماد القوى

"المتطرفة" التي انعقد المؤتمر لمحاربتها. فالمسؤولون الأميركيون لا يكفون عن اتهام سورية بدعم "الإرهاب" في فلسطين ولبنان والعراق.

كيف سيدعى بشار إذن؟ الدعوة مفتوحة نعم، ولكن حضور ضيف مثل بشار سينغص على من أقيمت الدعوة على شرفه، وسينسف فكرة المؤتمر في محاربة قوى التطرف والإرهاب. سيتحدث حامد كرزاي وسيرد عليه بشار الأسد، مقدما تعريفات جديدة للإرهاب والمقاومة والسلام والتسوية عائدا إلى سنوات الإسكندر المقدوني، وسيصل في الخاتمة إلى وديعة رابين ومزارع شبعا، موجها نظره إلى الرئيس إميل لحود الذي سيأخذ بطاقة لبنان في الحفلة فور وصولها.

ربما تستثنى سورية من الدعوة، وتقتصر الاحتفالية على المسار الفلسطيني، ويعلن أبو مازن استقلال فلسطين مجددا في إطار رؤية بوش في حل الدولتين. وسيجد في بيريز مشعوذا بارعا في التهويم وتزييف الوقائع. وسيعلن عن اكتشافه الجديد:"علم فوق الأقصى"، حلا للصراع حول القدس. وسيحرص على مصافحة الجميع وخصوصا حامد كرزاي؛ ليثبت للعالم أن بلاده تمد يد السلام.

أهم شيء كلمة صاحب الدعوة، بوش ملقيا خطبة الوداع، حدث ستنقله وسائل الإعلام العالمية على الهواء مباشرة. سيركز على فتوحاته التي حققها في نشر الديموقراطية، والسلام في العالم. فالعالم غدا أفضل بدون نظامي طالبان والبعث( ربما يعترض بشار إن كان مدعوا ) فللمرة الأولى انتخب الأفغان والعراقيون حكوماتهم(تصفيق حاد من حامد كرزاي وجلال طلباني) مع إشادة خفيفة بالحكومة الفلسطينية المعينة بقرار رئاسي أما عباس فلن يصفق هنا حتى لا يتذكر الناس رئيس وزراء الحكومة المنتخبة ورئيس المجلس التشريعي، وسيختم كلمته بالتأكيد على أنه سيترك من ورائه إرث "الدولة الفلسطينية القابلة للحياة " هنا سنشهد تصفيقا حادا من الجميع بمن فيهم بيريز وأولمرت فيما أبو مازن سيكون آخر واحد يتوقف عن التصفيق.

هنا ينتهي المؤتمر، وسيختفي بعد24ساعة عن عناوين نشرات الأخبار والصحف. في أثناء الحفلة ستكون ثمة أخبار أقل أهمية منها تضييع في زحام الوكالات الإخبارية: استشهاد ثلاثة فلسطينيين في توغل إسرائيلي، مقتل جنديين لبنانيين في اشتباكات في نهر البارد، مقتل وإصابة عشرين من أفراد الحرس الوطني في هجوم انتحاري في بعقوبة، طالبان تختطف مهندسا بلغاريا. الجيش الأميركي يعلن وفاة جندي أميركي أصيب في الأنبار. في هآرتس كتب إيلي فودة رئيس قسم دراسات الشرق الاوسط والاسلام في الجامعة العبرية عن المؤتمر المزمع:"حفلات الوداع لا تحمل البشائر، وانما ترمي الى انهاء فترة وإضفاء الشعور ـ حتى وان كان لحظيا فقط ـ بالتسامي. المشكلة هي أن كل المشتركين يجيئون الى هذا الحفل مرهقين مُنهكين".

إن عقد المؤتمر في البتراء سيشكل فرصة لن تعوض للترويج السياحي، سياحة خريف العمر.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد