واشنطن إذ تنقلب على أصدقائها

mainThumb

10-08-2007 12:00 AM

خلال يوم واحد فقط ، وجهت الولايات المتحدة ما يشبه التحذيرات النهائية لاثنين من أبرز حلفائها في مرحلة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر: برويز مشرف ونوري المالكي. فجأة ، تذكرت إدارة الرئيس بوش أن النظام الباكستاني ليس ديمقراطيا بما يكفي ، وأن الجنرال يجمع في الآن ذاته بين رئاسة الدولة وقيادة الجيش ، داعية حليفها الأوفى إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة ، تدرك هي مثلما يدرك هو ، بأنها أقصر الطرق لإزاحة الجنرال لا عن مقعديه المدني والعسكري فحسب ، بل وعن قيد الحياة والوجود ، بعد أن استعدى الشعب الباكستاني بإسلامييه وعلمانييه ضده ، من نواز شريف وبنازير بوتو إلى فقهاء الظلام وخطباء المسجد الأحمر وأساتذة المدارس والكتاتيب الدينية.
وعلى حين غرة ، اكتشفت واشنطن أن لرجلها في العراق نوري المالكي "صلات إيرانية" تضعه في خانة الشك والاتهام ، فما كان من جورج بوش الذي حمل المالكي على أكتافه وطاف به في عواصم الاعتدال والتطرف على حد سواء ، إلا أن أطلق تحذيرا غير لائق أبدا ، بالويل والثبور وعظائم الأمور ، إن تبيّن لإدارته بأن المالكي يلعب مع إيران ضد مصالح إدارته وحياة جنوده في العراق.
مشرف ما عاد قادرا على الذهاب أبعد مما وصل إليه في مشوار التواطؤ مع واشنطن وتقديم الخدمات المكلفة لها ، فقد كانت كلفة هذا المشوار باهظة للغاية.. الرجل فقد شعبيته في بلاده ، والقبائل تتحفز للانقضاض عليه وكذا ملايين الطلبة والأتباع من الإسلاميين ، وعلاقاته مع التيارات الحزبية العلمانية والتقليدية متوترة منذ الانقلاب العسكري قبل عقد من الزمان تقريبا ، وغريمة بلاده الهند ، تحقق تفوقا استراتيجيا على الباكستان في شتى الميادين ، والقضية الوطنية للباكستان (كشمير) تكاد تضيع على مذبح الحرب على الإرهاب ، وأفغانستان التي نسجت علاقات تحالف إستراتيجية مع بلاده زمن طالبان تتحول إلى بؤرة عداء واستعداء لها ، والرجل ما عاد قادرا دون المقامرة بإعلان حالة الطوارئ والمغامرة بإشعال فتيل حرب أهلية ، أن يمنع غارات جوية أمريكية على مناطق باكستانية وضد أهداف قبائلية يعتقد بأنها تحتضن بن لادن وأتباعه.
أما المالكي فهو حكاية أخرى ، فالرجل ليس مغرما بواشنطن وعلاقته بها اضطرارية بل وتندرج في سياق "التقية" المعروفة في المذهب الشيعي ، وصلاته بإيران لم تكن خافية إلا على الأمريكيين وحدهم ، وهو فعل ما بوسعه لإرضاء واشنطن والحيلولة دون دفعها لتشجيع نشوء بدائل لحكومته أو مرشحين للحلول مكانه ، ولكن يبدو أن واشنطن التي تريد اليوم ما يعجز المالكي عن تقديمه ، تماما مثلما هو الحال مع برويز مشرف ، ما عادت قادرة على احتمال المالكي وقبول مراوغاته ومذهبيته المفرطة ، فجاءت تحذيرات بوش قاسية للغاية ولا تليق ليس برئيس وزراء دولة بحجم العراق وتاريخه ووزنه.
لا أصدقاء دائمين لواشنطن ، فالدولة الأعظم اعتادت استهلاك أصدقائها وحلفائها بسرعة البرق ، والإفراط في صداقتها كالتفريط بها مكلف للغاية ، وهذا ما يواجهه اليوم اثنان من أبرز أصدقائها في السنوات الست الماضية ، بيد أن الملام عن هذه النهايات الصعبة هما مشرف والمالكي نفساهما ، فهما اللذان ارتضيا أن يكونا أدوات مطواعة في ماكينة الإستراتيجية الأمريكية العملاقة ، وعندما استنفدا دورهما لم يستحقا غير التهديد والوعيد بالفضل التعسفي مع التوبيخ والإهانة كمكافأة نهاية خدمة ، فهل يتعظ أصحاب الأوهام الكبيرة والرهانات الخائبة؟



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد