الأردن وطن الاعتدال

mainThumb

12-08-2007 12:00 AM

لقد حبا الله الأردن ميزة الاعتدال منذ نشأته، فقد ولد في هذه البقعة المباركة من الأرض المقدسة التي تمتد من فرات العراق إلى عريش مصر، بالنص القطعي الذي لا خلاف فيه، ويتسم بطقس معتدل صيفاً وشتاءً، وقيض الله له شعباً يتسم بالتسامح والشهامة والنخوة، رغم ما يوصف به من الجدية والصرامة أحياناً ؛ وحكماً معتدلاً بعيداً عن الغلظة والقسوة.

منذ بدايات ولادة الدولة الحديث كانت هادئة تقوم على سياسات الموازنة الحكيمة وسط محيط ملتهب، وبفضل الله استطاع أن يتجاوز كل المحن والأزمات الساخنة بسلاسة وسياسة وزينة تبتعد عن العنف والتخريب والسحق وعمليات الإبادة الجماعية ، ومازالت نعمة الأمن والاستقرار خصيصةً أردنية بامتياز.

وإذا نظرنا إلى موضوع الهجرات القسرية والطوعية من دول الجوار ومن محيط الإقليم ، نجد أن المهاجرين تمتعوا بجو من الضيافة والإخوة والدفء بالتعامل ليس له مثيل في كل الدول المحيطة رغم الاختلاف بالشعارات والتباين في العناوين الظاهرة، وإذا نظرنا إلى موضوع الأقليات نجد أنها تتمتع بحقوق وامتيازات قانونية ودستورية تكاد تفوق الأكثرية سواء كانت دينية أو عرضية أو مذهبية وها هو الشعب الأردني بجميع مكوناته وشرائحه وأصوله ومنابته ومذاهبه واتجاهاته وثقافاته يشكل شعباً أردنياً واحداً متحداً متعاوناً، وأقام حضارة أردنية متميزة تعد وبلا مبالغة تجربة معاصرة ناجحة.

لقد تعرض الأردن كما تعرضت دول عربية إسلامية كثيرة لموجات تغيرية كثيرة ومتعددة، واجتاحها المد القومي والثوري في بدايات هذا القرن، وبقي الأردن بفضل مسلك التوازن الحكيم قادراً على التكيف مع كل هذه الموجات بأقل الخسائر وأعظم المكاسب ثم يخرج منها موحداً، وعصيّاً على الفتنة والتفرق والتشرذم والتنازع، وكان دائماً بفضل العقلاء والحكماء يتجاوز المحن ويقفز من فوق المطبات بنجاح.

ثم جاء عهد الصحوة الإسلامية التي اجتاحت بلاد العالم الإسلامي كله من طنجة إلى جاكرتا، وامتدت لتصل إلى دول أوروبا وأمريكا والعالم كله، واعترى الصحوة عوارض وأمراض واختراقات وأهمها التطرف والتشدد المفضي إلى استخدام العنف والقوة واستباحة الدماء، ولكن الأردن وبفضل الله أولاً ، وبفضل المزاج المعتدل السائد ، وبفضل التوازن الحكيم الذي خص الله به الأردن قيادة وشعباً وقوى سياسية وإسلامية، بقي عصياً على التطرف ، بعيداً عن عازمة العنف ، وضرب الأردن مثالاً يحتذى في التعايش والتعاون والاستيعاب.

ولذلك ومن اجل استمرار هذا النموذج ، ومن اجل الحفاظ على نعمة الأمن والاستقرار، ومن اجل وحدة الأردن وتماسك الشعب وسلامة نسيجه الاجتماعي ، ومناجل قوته وازدهاره ، ومن اجل تقدمه وتطويره، ومن اجل مسابقة الزمن في التكيف مع متطلبات العصر، وديمومة الإصلاح والرقي والتحضر، وفي ظل النهضة العلمية المتميزة، وفي ظل ميزة الاعتدال والتسامح السائدة، بحاجة إلى توافق جماعي بين كل رجالات الأردن وحكمائه وعقلائه أن يبادروا دائماً إلى رأب الصدع وتجاوز المحن بمنهجية الأردنيين المعروفة وسجيتهم المطبوعة الجادة القادرة على معالجة الأخطاء والسير على الجادة.

نحن بحاجة إلى تقرير مجموعة من الثوابت التي لا يجوز القفز عنها؛ أولها : إننا جميعاً أردنيون ، وشركاء في هذا الوطن ، وهذا الأردن لكل أبنائه، ولا يزاود احد على احد، ولا فئة احد على احد ، ولا يجوز التحريض ولا الإيفاد ولا الإقصاء والجميع تحت مظلة الدستور والقانون.

ثانيهما : مؤسسة الجيش ومؤسسة الحكم، هي للدولة، وهي للجميع وهي للوطن كله بكل مكوناته، وبكل فئاته، لا يجوز التعدي عليها أو الإنقاص منها.

ثالثاً: الأقليات لها حقوقها ومكتسباتها وواجباتها والأكثرية لها حقوقها وعليها واجباتها ولا فضل لأحد على آخر إلاّ بما يقدم ويخدم ويضحي ويعمل ويتقن.

رابعاً: الحق والعدل فوق الجميع، ولا أحد معصوما بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكل الناس يخطئون ويصيبون في رفع الشعارات، دون انتباه لإمكانية التنفيذ، أو القدرة على التطبيق ، ويتقنون مخاصمة الناطور ولا يتقنون تحصيل العنب.

كل الحركات الإسلامية مدعوة لاستلهام هذه التجربة واستلهام رؤيتها ووسائلها وأدواتها وبرامجها، وان تتقن مهارة خدمة الجماهير، ومشاركتها في حمل همومها وتحقيق طموحاتها عبر برامج علمية ، ورؤى واقعية ووسائل تطمينية ، تخلو من الانفعال والتوتر والعنف، والاستعجال والتنفيذ وتبتعد عن السطحية في التناول، والظاهرية في الوقوف على النصوص، وان تسلك مسلك العمل الهادئ المتقن الذي يعتمد المرحلية والتدرج والحكمة والمشاركة الايجابية الفاعلة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد