مثال من أميركا

mainThumb

17-08-2007 12:00 AM

ما من فارق على الحقيقة - فيما تؤيده تجارب العالم القديمة والحديثة - بين مثقف السلطة وموظف السلطة. فكلاهما متلعثم مما يوضع على لسانه، وكلاهما مأمور بمهمة او بأداء خطاب، وكلاهما يرفع عقيرته بما لا يحسب على عقيدته. بل سرعان ما يتنكر لما يقول؛ او يحمله على اوهام المسرح الذي كان دوره فيه هو الذي يتصرف ويقول لا شخصيته فيما لا يزال حجة للاعبين في كل حين.

تلك هي محصلة مقالة الاستاذ مأمون فندي التي نشرتها الشرق الاوسط اللندنية قبل ايام، ولقد كان يلزمنا ان نوافق الكاتب الكريم فيما يذهب اليه لولا انه يقيم حالة تماه (من الماهية) بين مثقف الدولة ومثقف السلطة، اذ على الرغم مما يظن من ترادف بين التعبيرين الا ان كلاً منهما يهيم في واد مختلف، ويستدعي معاني متباعدة.

ان ثمة فارقاً جوهرياً بين مثقف الدولة الذي يقدم تأصيلاً فكرياً لمشروع سياسي أو كينونة وطنية او قومية ومثقف السلطة الذي لا يعدو ان يكون بوقا لقوة متغلبة تبحث عن مسوغات لبقائها.

لقد كان الفيلسوف الالماني هيجل، كما كان ارسطو اليوناني من قبل، مثقف دولة يريد التأسيس لدولة بروسية قوية مكتملة العناصر، على حين كان المكارثيون الأميركان، كما كان برنارد لويس وفوكوياما وهنتنجتون من بعدهم، مثقفي سلطة، او موظفي سلطة على الرغم من تنفجاتهم ودعاواهم الاكاديمية.

ونحن نملك، في ضوء هذه التفرقة، ان نقول: ان الايمان بالأسس التي تقوم عليها دولة من الدول، والصدور عن رؤية شمولية في فهم ماضيها وحاضرها وبناء مستقبلها، والحرص الحريص على ان تظل قوية عزيزة، كل اولئك سمات لازمة لمثقف الدولة. وهي التي تحدد موقفه من هذه السلطة او تلك.

اما مثقف السلطة فهو يدور معها حيث تدور وهو اقرب الى المثقف العضوي عند غرامشي، ولكن بفارق بالغ الأهمية؛ هو كون هذه العضوية مفتعلة غير اصلية، او ظاهرية (منافقة)؛ اساسها نفعي ومنطقها ذرائعي.

واذا كان لنا ان نأتي بمثال مؤكد لما نقول فنحن آتون به من الولايات المتحدة، اقوى دول الأرض في اللحظة التاريخية التي نعبرها؛ ذلك ان باستطاعتنا ان نعد رجالا مثل وليم جيمس وجون ديوي وارنست همنجواي مثقفي دولة، نستحضر حين نذكرهم روح العالم الجديد وفكره والمبادئ التي اعلنها لدولته. كما نعد، في الوقت نفسه، مئات من المطبلين لحرب بوش على العرب والمسلمين، مثقفي سلطة بعيدين كل البعد عن مبادئ الدولة الأميركية ان لم يكونوا معادين - في الحقيقة - لهذه الدولة وساعين سعيهم الاحمق في خرابها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد