صحيفة السوسنة الأردنية

رئيس الوزراء يستعيد هويته الطبقية ويرفض الاذعان لسياسات الرفع المعطيات المتوفرة عن استقالة نائب رئيس الوزراء وزير المالية وقرار مجلس الوزراء بعدم رفع اسعار مشتقات النفط هذا العام محدودة للغاية. فما جرى كان مفاجأة لكل الاوساط السياسية والاقتصادية التي كانت تترقب صدور قرار رفع الاسعار بين يوم وآخر كما كان قرار الاستقالة مفاجئا للوزراء الذين غادروا مبنى الرئاسة امس وهم لا يعرفون شيئا عنها.

كنا قد سمعنا من قبل ان الدكتور زياد فريز هدد بتقديم استقالته اذا لم يوافق مجلس الوزراء على رفع اسعار المحروقات بأسرع وقت وينطلق فريز بموقفه هذا من اعتبارات اقتصادية ومالية لا يشكك احد بصحتها, لكن المراقبين اعتبروا تهديد فريز مجرد وسيلة ضغط لتسريع اتخاذ القرار.

ولم يكن هناك من مؤشرات على معارضة رئيس الوزراء للخطوة.

تجمعت في الايام الاخيرة جملة معطيات امام البخيت توصل بعدها الى قناعة بضرورة تأجيل القرار الى ما بعد شهر رمضان المقبل, وفي اجتماع عقد في رئاسة الوزراء امس الاول اختلف الرئيس ونائبه فالاخير اصر على الرفع في اقرب وقت ممكن وانقسم الوزراء بين البخيت وفريز, لكن رئيس الوزراء حسم الامر بعد سجال ساخن امتد عدة ساعات فلم يجد وزير المالية من سبيل سوى الاستقالة. من جانبه ذهب البخيت في اقتراح التأجيل الى ما بعد شهر رمضان, حين اعلن امس ان لا رفع لاسعار المحروقات هذا العام تماما كما تعهد بذلك امام مجلس النواب قبل عدة شهور.

بعد اعلان البخيت امس سلسلة القرارات الدراماتيكية اشتغلت ماكنة التكهنات حول دلالات الخطوة وتداعت اسئلة كثيرة ازاء ما جرى في »الرئاسة« في الساعات الحاسمة من يوم امس, فهل غامر البخيت واتخذ قراره بعدم رفع الاسعار, والتضحية بنائبه من دون مشاورة جهات عليا. ام انه درس خطواته مسبقا لكن لحظة الانفعال كانت كفيلة بتفجير الموقف الى هذا الحد..؟

تحملت حكومة البخيت في الاونة الاخيرة ما لا يمكن احتماله من تجاوزات ووقعت في اخطاء لا تحصى وقبلت التضحية بصلاحياتها في اكثر من محطة حاسمة وبات رحيلها مطلباً لقطاعات سياسية وشعبية بعد ان تنازلت عن صلاحياتها. بيد ان البخيت ادرك انه وفي هذه الظروف السيئة ليس بمقدوره الاشراف على الانتخابات النيابية وادارتها بنجاح, فيما تتخذ حكومته قرارات غير شعبية تضر بفئات اجتماعية واسعة وفي الخلفية صورة سلبية للحكومة تشكلت لدى الرأي العام بعد الانتخابات البلدية وحالات التسمم والتلوث الجماعي.

لقد اتخذ البخيت القرار الصحيح في لحظة صعبة وتاريخية واستعاد في انعطافة مذهلة روح الطبقة التي ينتمي اليها وجاء كممثل لها عند تشكل حكومته.

يعتقد بعض المحللين ان خطوة البخيت ستقصر عمر حكومته التي ما زالت تواجه اشكالية استقالة وزيري الصحة والمياه, وتلاحقها اشاعات التغيير كل لحظة, لكن حتى وان صدقت هذه التوقعات فان الرجل يكتب نهاية مشرفة لحكومته.

صحيح انها صحوة متأخرة وربما انتفاضة, في الوقت الضائع, لكنها خطوة تستحق ان نرفع القبعات احتراما للبخيت مهما كان رأينا في حكومته وادائه طوال الاشهر الماضية.