أزمات التلوث والتسمّم؛ من المسؤول؟.

mainThumb

14-08-2007 12:00 AM

من الواضح تماماً أنّ سلسلة الأزمات الأخيرة التي ضربت البلاد تلقي بظلال كبيرة على المشهد السياسي بأسره؛ بدءاً من تعامل الحكومة مع العاصفة الثلجية في الجنوب، مروراً بأزمات التسمم المتتالية، ثم مياه منشية بني حسن، وصولاً إلى الانتخابات البلدية وما صاحبها من جدل وأزمة سياسية غير مسبوقة بين الحكومة والمعارضة الإسلامية، والآن قصة تسمّم المئات من أبناء البقعة، ثم الحديث عن رفع الدعم عن أصناف من المحروقات (المتوقع أن تشمل الغاز والكاز والسولار)، وأخيراً انتقال جرثومة الأميبا إلى الكرك.

المناظرة الإعلامية والسياسية الكبرى التي صاحبت مختلف الأزمات السابقة والحالية هي: فيما إذا كانت المسؤولية تُلقى كاملة على الحكومة أم أنه من الظلم تحميل هذه الحكومة مسؤولية أثقال برامج كانت سابقة عليها ومُلزمة لها؟

المسألة، باختصار، ذات شقين؛ الأول يتعلق بمسؤولية أية حكومة تستلم أزِمّة الإدارة العامة والسلطة، فهي بالضرورة مسؤولة عن إدارة ومعالجة المشكلات، وتقصيرها يجب أن تحاسب عليه بالتضامن. والحكومة الحالية أخطأت بصورة واضحة في إدارة عدة أزمات وقعت فيها البلاد، وتأخرت كثيراً?Z، ولم تظهر المرونة الكافية والحزم المطلوب.

أمّا الشق الثاني من المسؤولية؛ فيرتبط - تحديداً- ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، ومن المعروف- أنه قائم على اتفاقيات وسياسات ملتزمة بها الحكومة الحالية، وغيرها من حكومات، مع المؤسسات الدولية، تعكس التحول الجذري والكبير في دور الدولة الاقتصادي من دولة الرعاية والقطاع العام إلى "دولة القطاع الخاص".

هذه النقلة الاقتصادية الكبرى(بأبعادها السياسية والاجتماعية الهائلة)، كانت تستدعي حواراً استراتيجياً عميقاً، بخاصة مع التسارع الكبير الذي شهده برنامج الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات القليلة الماضية، ما أدّى إلى العديد من الأزمات، التي لا تنال هذه الحكومة فقط، بل ستطال الحكومات اللاحقة، إذ تبدو هذه الأزمات مجرّد أعراض أولية للشق الاجتماعي والسياسي الخطر الذي لم يراع?Z في الالتزام بالبرنامج الاقتصادي.

في هذا السياق من الجدير الرجوع إلى تقرير كارنيغي الأخير: "إعادة التفكير في الإصلاح الاقتصادي في الأردن: مواجهة الوقائع الاقتصادية والاجتماعية"، إذ يشير التقرير إلى أنّ البرنامج الاقتصادي، وفي جوهره التحول نحو القطاع الخاص، خلّف آثاراً سلبية عميقة في بنية القطاع العام ودوره أصابته بالشيخوخة والترهل وعدم القدرة على مواكبة التحولات والتكيّف معها.

وإذا كان وزير الطاقة السابق، محمد البطاينة، قد توقّع (في تقرير الزميل يوسف ضمرة في "الغد" بالأمس) أن يؤدي الرفع القادم للمحروقات إلى ارتفاع خط الفقر من500 إلى 600 دينار فإنّ أبناء القطاع العام هم المتضررون بصورة مباشرة ورئيسة، والأهم من ذلك أنّ هذا يعني مزيداً من الترهل والأزمات والمشكلات، التي ستتضاعف بدورها لتصيب الحكومات اللاحقة.

المعضلة التي يعاني منها البرنامج الاقتصادي أنّ التحول باتجاه القطاع الخاص لا يرافقه استعداد الأخير للقيام بمهمات وأدوار القطاع العام في كثير من المجالات والنواحي. لكنه ينعم بكافة التسهيلات والترتيبات والاعفاءات الضريبية الهائلة، ويرتفع مستوى الدخل فيه عن القطاع العام بصورة واضحة!

الملاحظ، أولاً، أنّ الأزمات الأخيرة تصيب أخطر القطاعات الحيوية والمؤثرة على حياة المواطنين؛ الماء(والأردن يعاني أصلاً من شح شديد في المياه) والصحة(سلامة الغذاء، ظاهرة ضرب الأطباء، الانتقادات الموجهة لحالة المستشفيات العامة، مطالب أطباء الصحة المتكررة بإنصافهم، بالإضافة إلى ارتفاع نسب السرطان والسكري والمشكلات الصحية لشريحة واسعة من الناس)، هذا إذا تجاوزنا الحديث عن ملف التعليم الحكومي سواء على مستوى المدارس أم على مستوى الجامعات والتعليم العالي وما يثار من ملفات هائلة بهذا الخصوص، وبروز مظاهر الاحتجاج الاجتماعي من خلال المخدرات والتطرف الديني وغيرها من ظواهر.

والملاحظ، ثانياً، أنّ غالبية الأزمات هي في الأطراف وخارج العاصمة، ففي الوقت الذي تزداد نسب الفقر والبطالة في الأطراف والمحافظات المختلفة والمناطق الشعبية في عمان فإنّ "عمّان الغربية" تتضخم وتزدهر بالجسور والعمارات ومستويات الدخل المرتفعة، ما يجذر الفجوة الطبقية على مستوى جغرافي أيضاً!

***

بالعودة إلى السؤال الرئيس: أين تقع مسؤولية الحكومة والوزراء؟..فقد كان تعليق الزميل أيمن الصفدي(في مقاله لعنة الشاورما) على قصة التسمم بالبقعة ذكياً، عندما قال "لايوجد وزير صحة ليستقيل؟"، فهذا التعليق هو، حصراً، ما أردت قوله أثناء أزمة منشية بني حسن؛ فلم يناقش أحد، في الأساس، بوجوب محاسبة المسؤولين والمقصرين إدارياً، وحتى قضائياً، لكن الجدال كان حول الاستعجال لتقديم "كبش فداء" في تلك القضية قبل تحري أبعاد المسؤولية الحقيقية عن الكارثة.

فلو فرضنا أنّ وزيراً جديداً للمياه عُيِّن، وهو يعلم أنّ شبكات المياه تالفة وأنها تتطلب الإصلاح ويمكن أن تكون مصدراً متجدداً للتلوث، لكنه لا يملك الميزانية الكافية، وبعد أيام من ولايته حدث تلوث في مياه مناطق مختلفة، فهل سيكون مسؤولاً عن التلوث، ونطالب بإقالته؟!

المقصود؛ أنه في ظل تراجع دور الحكومات المتعاقبة في رسم المسار الاقتصادي وتحولاته (والسياسي أيضاً)، لا بد من مراجعة جادة ونقدية لهذا المسار، ولما له من كُلفةٍ خطرة وحسّاسة على حياة الناس، وإذا كنا لا نزال نتحدث عن تداعيات اقتصادية واجتماعية، فالخشية أنّ عدم الاستدراك والتصحيح سيدفع – مستقبلاً- للحديث عن تداعيات سياسية وأمنية!

ربما من أجمل التعليقات على مخرجات الراهن الاقتصادي والسياسي هو عنوان مقال الزميل حلمي الأسمر: "حلمنا بسنغافورة.. لا نريد أن نتمصّر!".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد