أنا والزعبي والبيض .. عاطف الفراية

mainThumb

25-06-2007 12:00 AM

كانت مرة واحدة تلك التي رأيت فيها المخرج فيصل الزعبي، تقريبا في ‏العام 1995 في الطابق الرابع من مبنى وزارة الثقافة ولا أظن أنه ‏يذكرها، كنا في مكتب صديق مشترك، فيصل كان مهتما بعمل فيلم من ‏نوع ما عن مصنع البوتاس الذي كنت أعمل فيه (رجل إطفاء) وسأل ‏وأخذه الحديث ـ رغم تأكيدي له أنني لست الشخص المناسب ـ استمر ‏في الحديث ـ وكما تعلمون الحديث ذو شجون ـ حتى وصل إلى كيف ‏سافر إلى روسيا لدراسة طب الأسنان وتخرج فيها مخرجا!!!.. وعن ‏مشروع سينمائي اشتغل عليه هناك قال: رغم أن الفلم كان خمس دقائق ‏‏(إلا أنني بضت بيضة هالقدي حتى أنجزه).

ويبدو لي أن هذه العبارة ‏‏(بضت بيضة هالقدي) من اللوازم الكلامية لفيصل كما أن معظمنا له ‏لوازمه الكلامية التي (أحيانا ) لا تصلح لغيره. ‏ ‏

ونحن في الحديث فجأة أطل الراحل الكبير الشاعر العراقي عبدالوهاب ‏البياتي من مدخل الطابق (جهة الدرج) إذ يبدو أن المصعد كان معطلا.. ‏يسند البياتي شخصان من اليمين واليسار وهو يلهث ، رحبنا به فبادرنا ‏بقول أحزننا جدا وجعلنا نندب حظنا الذي جعلنا من هذا القطاع ‏‏(المسخمط) حيث قال : (عيني أنا ما أدري قالولي عن مكافأة ثلاثين ‏دينار عدكم هنانا) طبعا هذا قبل أن تعينه وزارة الثقافة الأردنية مستشارا ‏للوزير.‏ بعد أن ساعدته وأوصلته إلى المحاسب وعدت إلى فيصل باكيا .. ‏جلست أفكر بالشكل التالي:‏ كم بيضة باض البياتي على درج الوزارة حتى وصل إلى ثلاثين الدينار؟ ‏ وذلك لأن فيصل بعبارته تلك قد أضاف إلى فهمي شيئا جديدا عن علاقة ‏أن (تبيض) بأن تتعب وتجهد وينقطع نفسك، والسر في هذا التعديل في ‏الفهم جاء لأنني تعودت وأنا صغير على مفهوم مختلف تماما.. وهو أنني ‏عندما كنت أطلب من أبي محاية أو علبة ألوان كان يجيب: (منين ‏أبيضلك فلوس) وأبيضلك هنا تحمل دلالة إنتاجية فقط بمعزل عن حجم ‏التعب المصاحب للإنتاج.

بعد لقائي مع فيصل أصبحت أكثر تعاطفا مع ‏الدجاجة التي تتمزق(....) حتى تبيض.‏ الدلالة الإنتاجية الجديدة بمعطييها ( التعب والغنيمة) جعلت صاحبي ‏خميس بن جمعة يتساءل حائرا: ‏ طيب.. إذا قلنا أن جدودنا وعلى الأقل من بداية القرن العشرين قد ‏راكموا لنا كل جهدهم ولم يتوقفوا عن (البيض والتبييض والإباضة) لا ‏في الليل ولا في النهار.. لا في الشباب ولا في الشيخوخة.. لا قبل ‏التقاعد ولا بعده.‏ وإذا كان البيض يستهلك بعضه ويورث البعض الآخر للحفدة..‏ فمن المنطقي حسابيا أن يكون السهل والجبل في هذه البلاد فيها أكوام من ‏البيض تشبه أكوام الملح المهملة في منطقة (البوتاس) أكوام الملح تلك ‏كانت مخلفات صناعية ( تحصيل حاصل) أما أكوام البيض فقد أهلكتنا ‏أبا عن جد حتى (بضناها).. وما زلنا نبيض ونبيض حتى (تفتقنا)..‏ ‏ قام صاحبي ونظر في الأفق، تفحص السهل والجبل.. جاء بالدربيل ‏‏(المنظار) وتحقق جيدا لم ير أي (كومة بيض) ولا حتى قشر البيض ‏‏(المكبوب)‏ تساءل بغضب: وين راح كل هالبيض من أيام جدي؟؟ احمر وجهه غضبا.. أمسك بخناقي وهزني وهو يصرخ:: ولك وين راح ‏البيييييييض؟؟ ويييييييييييييييييييين؟؟؟‏.
 
 
 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد