انسحاب وترتيب أوراق

mainThumb

24-11-2007 12:00 AM

المنطق الذي تتحدث به قيادة الحركة الاسلامية حول ما جرى في الانتخابات النيابية يقول انها على قناعة بأنّها حرمت من حقها في عدد اكبر من مقاعد البرلمان، هذا المنطق يفرض ان يكون تعاملها مع الامر اكبر من مؤتمر صحافي او رسائل احتجاج. فما لوّحت به الحركة يوم الاربعاء الماضي من سحب لنوابها الستة الذين فازوا قد يكون هو الرد السياسي الذي يتناسب مع قناعتها حول ما جرى في الانتخابات.

نعم الاستقالة هي الرد. وهذا الرد عملي وسياسي، كما ان الكتلة الرمزية في المجلس الخامس عشر لن تكون كتلة ذات وزن، ولا ذات حضور وتأثير، والنواب الستة نصفهم جدد بلا خبرة، ومن تبقى لم يكونوا نوابا ذوي نكهة خاصة اثناء تمثيلهم السابق.

لن تخسر الجماعة الكثير من الانجازات فيما لو غابت عن المجلس الجديد، فعندما كانت بسبعة عشر نائبا كان هناك تحفظات كثيرة على الانجاز والاداء السياسي او التأثير في التشريعات، فكيف سيكون الامر بهذا التمثيل الرمزي وغير النوعي؟

الاحتجاج الاعلامي ينتهي مفعوله بعد ايام وجزء منه انتهى. فالأخبار والقضايا الجديدة تطغى على ما كان، وأخبار الحكومة الجديدة والتغييرات المتوقعة ستغلق شيئا فشيئا ملف الانتخابات الا عند الخاسرين والمتضررين. واذا كانت القناعة ان ما جرى مناقض للديمقراطية والنزاهة فيفترض ان يكون الرد سياسيا عبر الاستقالة او الانسحاب، وهذا الثمن وان كان صعبا على الاشخاص الذين فازوا ان يخسروا مواقعهم كنواب، فإن هذا اقل ما يقدم تضامنا مع من لم يفوزوا، كما ان من اصبحوا نوابا حملهم التنظيم ولم يأتوا لأسباب اخرى.

ربما ما على قيادة الجماعة ان تفعله ان تقوم بمراجعة شاملة لكل المرحلة بكل تداعياتها الداخلية، وان تكون قادرة وحازمة في معاقبة من كانوا وراء الظواهر السلبية التي قدمت الحركة باعتبارها جسدا تتنازعه الخلافات. ومن المفترض ان يكون لها موقف من الذين تعاملوا من القادة مع الانتخابات بسلبية وبرود وتعاملوا مع القائمة وكأنها كيان مفروض على الجماعة، طبعا هنا لا نتحدث عن قادة من تيار او مجموعة واحدة، بل من اي تيار او مجموعة، فالأخطاء ليست مقصورة على فئة دون اخرى.

وإذا عدنا الى قضية الانسحاب من البرلمان فإنها تبدو خيارا قد يبعث الارتياح لدى قواعد الحركة التي اصابها الكثير من الاحباط بعد الانتخابات البلدية، وكانت اكثر قربا للمقاطعة، ومع انني لست من المتحمسين للمقاطعة كنهج، بل ارى فيها مسارا غير منتج، الا ان الحركة تحتاج الآن الى مرحلة انكفاء داخلي تعيد فيه ترتيب صفوفها، وتختصر مساحات المصالح والاضواء والحسابات الشخصية التي تقف احيانا وراء لجوء البعض لمواقف استعراضية يفهمها في الخارج على انها تشدد او فكر.

مقاطعة عام 1997 لم تكن تعبر عن مسار او مقدمة لبدائل، لهذا كانت خسارة كبرى على الحركة. لكن وضع الحركة اليوم يحتاج الى انسحاب من العمل السياسي لإعادة قراءة كل الملفات، وتحتاج القيادة الى اعادة حضورها بل وثقة كوادرها، وحتى كرسالة سياسية احتجاجية على ما تعتقد انه جرى فإن الانسحاب ضرورة حتى وان رأى فيه البعض خسارة سياسية، لكن هذا الانسحاب قد يكون تحركا يعيد الهدوء الى القواعد بعد تجربتين انتخابيتين خلال ثلاثة اشهر.

"رب ضارة نافعة"، قد يكون ما جرى مقدمة لإعادة ترتيب الاوراق بعد عامين من الاجواء السلبية، وقد يكون من الشجاعة ان تفكر بعض الاوساط القيادية بالاستقالة وإعادة بناء المؤسسات القيادية ليس على خلفية الانتخابات النيابية، بل لأن بعض هذه الهيئات وصلت الى مرحلة من عدم الانسجام أصبحت هي مصدر الاداء السلبي.

في كل دول العالم لا تتردد قيادة حزب او حكومة بالانسحاب من مواقعها بعد مفاصل سلبية، وحتى لو لم تكن مسؤولة عما جرى فإنها تمارس سلوكا ديمقراطيا يفتح الباب لمراحل اكثر فعالية.

sameeh.almaitah@alghad.jo



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد