ما من شك في أن المواطن السوري يراقب عن كثب التطورات السياسية والعسكرية التي تشهدها الساحة السورية نظراً لأهمية هذه التطورات في مستقبل سورية والمنطقة، خصوصاً بعد الإتفاق النووي بين طهران والغرب إذ أخذت تلوح في الأفق مؤشرات رافقتها تحركات ديبلوماسية عربية ودولية مكثفة لإيجاد حل للأزمة، وسط حديث عن مبادرات عديدة مطروحة من قبل العديد من الدول الكبرى إستعداداً للتوصل لحل سلمي للأزمة السورية، هذا مما يشير الى أن النزاع في سورية على مشارف نقطة تحول كبيرة.
أخيراً، إتفقت قوى دولية وإقليمية على الحاجة للتوصل لحل سياسي في سورية، فقد أعلنت واشنطن وموسكو، دعمها لخطة سلام جديدة في سورية وإتفقتا على ضرورة التوصل لحل للأزمة السورية خلال هذا العام، ودعتا إلى تهيئة بيئة مواتية لتحقيق مفاوضات سياسية موضوعية وبناء الثقة إذ إقترن هذا التطور بالتحركات الأخيرة في المنطقة، والتي تمثلت في زيارة مسؤولين عرب رفيعي المستوى إلى كل من موسكو ودمشق وسلطنة عمان، وزيارة مسؤولين سوريين إلى طهران وعمان وربما دول أخرى بقيت طي الكتمان.
كانت الدول الغربية وحلفاؤها قد دعت في السابق الى التدخل العسكري المباشر في سورية لكن عجز الجماعات المتطرفة عن تحقيق أهدافها في سورية قد قلبت الموازين، كما أن الجرائم التي إرتكبتها هذه الجماعات وتوسيع دائرتها قد دفع هذه الدول نحو الإستشعار بالقلق والخطر ولذلك إختاروا تغيير سياساتهم تجاه سورية وباتوا يتحدثون عن إعادة العلاقات معها وتم الإعلان عن نيتها لفتح سفاراتها في دمشق .
وفي الاتجاه الآخر أكد مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي أن "الحل الدائم للأزمة السورية، هو من خلال عملية سياسية شاملة، بقيادة سورية، تلبي التطلعات المشروعة للشعب السوري، بهدف التنفيذ الكامل لبيان جينف الصادر في 30 يونيو 2012، وأصدر أعضاء المجلس بياناً رئاسياً في نهاية جلستهم الطارئة، أكدوا فيه على "التزامهم القوي بسيادة واستقلال ووحدة وسلامة أراضي سورية، وجميع الدول الأخرى المتضررة من النزاع السوري، ودعم مهمة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى سورية، ستيفان دي ميستورا.
في سياق متصل أصبحت إيران وبعد صفقة النووي مع الغرب، على قناعة بأن قطار التسويات يقترب من كل المحطات، ولا بد أن تكون طهران حاضرة في المحطة السورية، إذ عرضت مبادرة معدلة لحل الأزمة في محاولة لوضع حد للحرب في سورية، ما سيساعد هذه المبادرة أن هناك تحولاً إستراتيجياً في نظرة اللاعبين الإقليميين حيال سورية، كما أن إعلان هذه المبادرة التي تأتي في زمن الحروب الإقليمية المتفرقة ضد تنظيمات إرهابية، تعبر عن شعور دول المنطقة بخطر داعش والمجموعات المسلحة الأخرى، وبالتزامن مع المبادرة الإيرانية برزت مبادرة روسية تحمل المضمون نفسه، وتدعو إلى تشكيل حلف إقليمي يجمع دول الخليج وتركيا مع نظام الرئيس الأسد، في مواجهة المجموعات المتشددة بذلك يكون مضمون المبادرتين الإيرانية والروسية هو الحرب على الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وإنطلاقاً من ذلك أصبح هناك إتفاق على أن داعش يمثّل الخطر الأكبر لدول الإقليم، وأن سقوط المنطقة في الفوضى والعنف سوف يهدد الجميع، وبالتالي لابد من إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، ويجب تجاوز العقبات المتبقية مثل الإتفاق على مصير الرئيس الأسد.
في هذا الإطار بدأ الأميركيين والأوروبيين الآن يعترفون بالحقيقة التي كانوا يقرون بها في أحاديثهم الخاصة، وهي أن الخطر الأساسي على المنطقة، وعلى مصالح الغرب، لا يتمثل في نظام الأسد، وإنما في إحتمال إستيلاء الإرهابيين في سورية ودول أخرى في المنطقة على السلطة، لذلك فإن الإدارة الأميركية ولأول مرة تبدي قدراً من التفاؤل بحل سياسي في سورية، ومن البوابة الروسية، و الرئيس باراك أوباما قال صراحة إن الإتصالات الروسية الإيرانية حول سورية بارقة أمل لحلحلة هذه الأزمة التي إستمرت خمس سنوات.
مجملاً... هناك أجواء تفاؤلية تخيم على الحراك الجاري هذه الأيام، خاصة في ظل الحديث عن المفاوضات المباشرة التي ستحتضنها موسكو بين الحكومة السورية والمعارضة، وإنطلاقاً من ذلك تبدو جميع الأطراف الإقليمية والدولية المشاركة، بدرجة أو بأخرى، في الصراع حول سورية، موافقة حالياً على مبدأ الحل السياسي كحل لا بديل عنه للأزمة، وهذا يدل على وجود ارادة إفليمية ودولية جدية لحل الازمة السورية عن طريق الحل الدبلوماسي وفي هذا السياق يمكن تفسير قيام بعض الدول الغربية والعربية في الإقتراب من سورية .
khaym1979@yahoo.com