صفات عضو مجلس النواب

mainThumb

16-11-2007 12:00 AM

كثر السؤال في هذه الايام عن الصفات التي يجب ان تتوفر في عضو مجلس النواب، والتي يجب ان يراعيها المواطنون عند اختيارهم لاعضاء المجلس النيابي. والجواب على هذا ينبني على معرفتنا بواجب مجلس النواب، والمعروف ان مجلس النواب هو احد جهازي السلطة التشريعية، والجهاز الآخر هو مجلس الاعيان ومجموعهما يسمى مجلس الأمة.

ونحن نعلم ان التشريع لله تعالى، فالحلال ما أحلّ?Zه، والحرام ما حرّ?Zمه، والعلماء والمجتهدون يتوصلون بالبحوث الشرعية الى معرفة حكم الله عز وجل، من خلال مراجعة نصوص الكتاب والسُنّة، ومعرفة ما اجمع عليه المجتهدون، والخبرة بطرق القياس، ولكن بعض القوانين هي من باب السياسة الشرعية والترتيبات الادارية التي يجوز لولي الأمر ان يسنها للناس غير مخالفة لأحكام الشريعة، ويجب على الرعية أن تلتزم بها.

وفي زماننا توجد أجهزة في الدولة تعد مشاريع القوانين، ثم تعرضها على السلطة التشريعية لإقرارها، أو تعديلها، ولها حق رفضها.

والواجب الآخر لمجلس النواب هو ان يراقب أداء السلطة التنفيذية لواجباتها، ومن تلك الواجبات تفقّدُ حاجات المناطق في الوطن، وهنا يأتي دور النائب ليذكر بحاجات منطقته، ويطالب بتحقيقها، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى.

ومن ملاحظة هذين الواجبين يتبين لنا أن المؤهل لعضوية مجلس النواب هو م?Zنْ يستطيع تمحيص القوانين، وملاحظة الألفاظ القانونية وما تحتمله من معانٍ، ويستطيع معرفة ملاءمتها للواقع، ويعرف مدى مطابقتها أو مخالفتها للشريعة الإسلامية، فليست كل المخالفات في درجة واحدة، فإن المكروه غير الحرام، كما أن المستحب غير الواجب، والضرورات التي تبيح المحظورات لها ضوابط لا يعرفها إلا الفقيه المتمكِّن، أو من يستشير فقيهاً متمكنّاً.

واما مراقبة السلطة التنفيذية فتحتاج الى من تتوفر فيه الجرأة والموضوعية، بمعنى ان يراقب الامور مراقبة الناقد البناء، وليس الناقد الذي يحب الظهور، والفرق بينهما كبير، فالناقد البناء هو الذي يتصور نفسه في مكان عضو السلطة التنفيذية من حيث واجبات الوظيفة، والامكانيات المادية والمعنوية، بل والاعتبارات المحلية والدولية، ثم يرى هل يستطيع ان يفعل خيرا مما يفعله هذا المسؤول، او هل يستطيع ان يتجنب ما يفعله هذا المسؤول، فان وجد اسلوبا افضل في الاداء الوظيفي قدم اقتراحه بكل اخلاص لله، وحرص على مصلحة الامة، والا قدّر عذر غيره كما يُحبّ ان يقدر غيرُه أعذاره.

وغني عن القول ان هذا لا يمكن لعضو مجلس النواب ان يقوم به الا اذا راجع مستشارين خبراء، يعرفون الامور ويوازنون بينها او يكون عضوا في مجموعة نيابية، لها خبراء يقدمون لهم هذه النصائح، وبعد ذلك يصرح في مجلس النواب بهذه الحقائق بروح الاخوة والتعاون، واذا كان كل او غالب اعضاء مجلس النواب بهذه الصفات امكن ان نتوقع من مجلس النواب القيام بواجبه الذي انتخب من اجله، واتفقت عليه الامة ليكون العقل المدبر، والعين الباصرة، واللسان الجريء بالحق في هذا التجمع الذي يلتقي فيه وجهاء الامة، وتقرر فيه القوانين التي يلزم بها كافة المواطنين.

واذا اتضح هذا اصبح من نافلة القول ان يسأل عن حكم من يدفع المال لينتخبه المواطنون، او انفاق المال السياسي - كما يسميه البعض - فهذا السؤال غير وارد، ومن العار على المواطن ان يتعامل مع هذه القضية بهذا الاسلوب، ومن العار ايضا على النائب ان يحشد الاصوات لصالحه بهذه الطريقة، ومما يذم به المجتمع ان تكون المجالس النيابية قائمة على شراء الضمائر، وماذا يتوقع ممن يرى المال كل شيء فيشتري الاصوات مستغلا حاجة البعض، وماذا يتوقع منه اذا صار صاحب قرار.

إن المتوقع ان يحاول استرداد ما دفع من خلال استغلاله لمنصبه، واستغلال المنصب جريمة يحاسب عليها القانون.

انني اؤكد - وبكل ثقة - ان الغالبية العظمى من مواطنينا لا يبيعون أصواتهم وضمائرهم، وأن الأغلبية الساحقة من نوابنا يفوزون بمقاعد الانتخاب عن غير هذه الطريقة، ولهذا فانني ألوم الذين جعلوا هذه التصرفات الشاذة القليلة سمة كل المجتمع الاردني، وظاهرة سيئة غرق فيها الجميع.

ان بلدنا بلد الشرفاء بكل مواقفهم الخاصة والعامة، وتاريخنا يشهد لنا، فكم وقفنا الى جانب الحق رغم الامكانات المتواضعة، وكم جهرنا بكلمة الحق عندما سكت عنها الآخرون، وكم أوينا ممن ضاقت به بلده، وجار عليه أبناء عشيرته، وستبقى إن شاء الله هذه النخوة الإسلامية العربية سمة هذا البلد يستظل بها الجميع، ويستفيد منها من أراد أن يحق الحق ويبطل الباطل.

متمنياً لهذا البلد أن يمنحه الله مجلساً نيابياً على قدر المسؤولية، ومتمنياً لمجلس النواب القادم أن يوفق إلى كل خير، وان يقوم بواجبه على أحسن وجه، لتكون فترة عمله مميزة بين كل الفترات، ومثالاً تقتدي به المجالس النيابية فيما بعد.
* مفتي المملكة


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد