علماء الأمة و هيئاتهم

mainThumb

16-11-2007 12:00 AM

تكاثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة نشؤ وتشكيل"هيئات علماء المسلمين" ، أشهرها على الإطلاق "هيئة كبار العلماء المسلمين في العراق ، ولا أدري إن كان تشكيل الكثير من الهيئات في عدد من الدول العربية ، قد سبق قيام الهيئة العراقية ، أم أنه جاء لاحقا لها وتيمنا بها واقتداء بسنتها. وقد لفتني في لبنان ، أن كل مدينة أو قرية ، سنية على وجه الخصوص ، باتت تتوفر على هيئة للعلماء ، وقد امتدت عدوى تشكيل "هيئات العلماء" إلى الفلسطينيين في مخيماتهم ، وقد لاحظنا كيف أن بعض هؤلاء العلماء لعبوا دورا وسيطا في أزمة نهر البارد بين جماعة شاكر العبسي والجيش اللبناني ، قبل أن تنقلب الوساطة إلى انحياز كامل لفتح الإسلام ، يسمح بحلف "يمين كاذب" من قبل اثنين من أعضاء الهيئة على أن الجثة المشتبه بها في ثلاجة أحد المستشفيات اللبنانية ، هي جثة شاكر العبسي ، الذي يعيش الآن طليقا ، وربما متنقلا بين مقرات "الهيئات" وبيوت أعضائها "العلماء" ومتخفيا في عباءاتهم.

في حوار مع أحد قادة هذه الهيئات بثته إحدى الفضائيات اللبنانية ، سأله الصحفي عن "شروط العضوية" في هيئته ، وكيف يمكن للمرء أن يكون "عالما" ، ومن ذا الذي يمتلك صلاحية إطلاق صفة "عالم" على هذا الشخص أو ذاك ، يومها أجاب الرجل ـ العالم بأن شروط العضوية بسيطة للغاية ، إذ يكفي أن تكون حائزا على بكالوريوس في الشريعة من أي جامعة حتى تتوفر على الحق في عضوية الهيئة وتحمل لقب "عالم". توقعت أن يسترسل الصحفي أو بالأحرى الصحفية في طرح الأسئلة ، لكن تبين أنها لم تكن "عالمة" بما يكفي في شؤون الصحافة وعوالمها ، وظل الكثير من الأسئلة والتساؤلات عالقا في ذهني من دون جواب ، منها على سبيل المثال: ماذا لو أن "العالم" تخرج من الجامعة بدرجة "مقبول" وبعد سنوات من الإعادة ، وعلى قاعدة "في الإعادة إفادة"؟...ماذا لو أن صاحبنا "العالم" قرر دخول كلية الشريعة لأن معدله في التوجيهي كان منخفضا كما هو حال الكثيرين من الطلبة الذين يتقرر مستقبلهم وفقا لكشف علامات التوجيهي؟...ولماذا هذا "التمييز الإيجابي" لخريجي كليات الشريعة ، إذ يصبحون بمجرد تخرجهم علماء ، بينما لا يحظى بهذا اللقب أو الشرف ، نظراؤهم الأكثر تفوقا وأكثر اجتهادا في الكليات الأخرى بما فيها الكليات العلمية النظرية والتطبيقية ، وحتى بعد أن يستكملوا دراساتهم العليا ويحصلون على الماجستير والدكتوراه. من الأسئلة التي خطرت على بالي أيضا ، كيف يحصل هؤلاء على تراخيص لعملهم وبموجب أي قانون ، هل هم حزب سياسي حتى يخضعوا لقانون الأحزاب؟..قلت لا ، برغم أنهم يمارسون دورا سياسيا...هل هم منظمة غير حكومية (NGO) أو مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني؟...هل يخضعون لقوانين الجمعيات ووزارات الداخلية أم الشؤون الاجتماعية أم الأوقاف؟. ما الدور الذي يلعبه هؤلاء المدججين بالألقاب المحاطة بكل هالات العفة والعلم والحصانة المعنوية ، في تشكيل عقولنا ورسم اتجاهات سيرنا وتفاصيل يومياتنا ، نحن الذين كنا أذكى منهم وأكثر اجتهادا ، وتحصلنا على علامات مكنتنا من تفادي المرور بقناة كلية الشريعة الإجبارية ، لماذا يتفوقون علينا ، وبم?Z ، لماذا هم علماء ونحن "مواطنون فقط"؟..لماذا هم المُرسًلون ونحن المتلقون دائما؟. لماذا يتوزع العلماء وهيئاتهم على الأحزاب ومراكز القوى في لبنان ، لماذا تتحول هذه الهيئات إلى "ميليشيات" عند أصحاب المال والنفوذ السياسي (إلا من رحم ربي)؟...لماذا نرى منسوب الأناقة في الملبس والفخامة في المسكن والمأكل والمشرب ، في تناسب طردي مع منسوب تورط العلماء في السياسة ، إذ كلما ازداد هؤلاء تحزبا لهذه الدولة النفطية أو تلك ، أو لهذا التيار الممول والمتموّل أو ذاك ، كلما ارتفعت أرقام الأرصدة وحل البذخ محل شظف العيش ، ولماذا كل هذه التقلبات في مواقف علماء وهيئات ، إذ كلما ازدادوا دفاعا عن هذا الموقف أو ذاك الفريق ، ازدادوا "دفعا" نقدا وفي الحساب. نحمد الله أن ظاهرة "هيئات العلماء" لم تصل بعد إلى الأردن ، ونأمل أن لا تصل ، إذ تكفينا - كأمة - كل هذه الفوضى في الإفتاء والتعدد في المرجعيات ، والخفة في إدعاء العلم والمعرفة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد