الانعكاسات الفكرية والثقافية للعنف

mainThumb

10-08-2015 10:34 AM

 للعنف والإرهاب علاقة وطيدة بالأفكار مدا وجزرا فكما أن أساس العنف ينبع من الأفكار وطريقة التفكير والتحليل وإصدار الأحكام فإن للعنف كذلك آثار كبيرة على الثقافة والفكر, فعندما تكون الأجواء مشحونة  بالعنف والتطرف وانعدام العدل والكيل بمكاييل متعددة للحالة الواحدة فإن النتيجة الحتمية بعد الشعور بهذا الظلم التعبير عن حالة الرفض بصور متعددة ومنها الرد على العنف بالعنف والإرهاب بالإرهاب مما يؤدي إلى سيادة لغة العنف في المجتمعات بدلا من لغة التعاون والأخوة والتسامح.
 
ولعلّ الدليل الأكبر على ذلك استحلال الدماء والأموال والأعراض بغير حق وما تعانيه الساحة الاسلامية الآن من قتل وتشريد وسفك للدماء ما هو الا انعكاسا للأفكار والثقافة المشوهة التي تحمل أصحابها إلى فعل الاجرام واستحلال ما حرم الله مستدلين على شرعنة الإجرام بأدلة مشوهة ومجتزأة .
 
ومن الآثار الثقافية للعنف كذلك التعصب الفكري والمذهبي حيث يصبح كل حزب بما لديهم فرحون, ويرى كل حزب أن ما عنده أفضل مما عند غيره وأن الحق ما يحمله من أفكار دون غيره فيدفعه هذا التعصب إلى الجمود والتشدد في المواقف المختلفة  ويكون حكمه على الأشياء من هذا المنطلق لأنه أسير للتعصب الذي يرفض هوية الغير والاعتراف بها ويوقف حركة العقل عن التدبر والتفكر فتتكون بسبب ذلك بيئة خصبة للفساد الفكري والثقافي, ويلاحظ هذا الأثر في معاناة العالم الإسلامي اليوم من انقسامات فكرية حادة، بين تيارات مختلفة.
 
ومن الآثار المباشرة لتفشي ظاهرة العنف شيوع الفساد الفكري في المجتمع وإحداث التناقض بين أبناء المجتمع الواحد بحيث يدب الخلاف بين مكونات ذلك المجتمع ويؤدي إلى تشويه صورة الإسلام داخلياً وخارجياً  والتنفير من الدين وإلصاق كثير من التجاوزات والانحرافات السلوكية به .
 
ولقد تم الخلط بين المفاهيم المختلفة بقصد عدم الاتفاق على مفهوم محدد للتطرف أو العنف أوالإرهاب ليسهل إلصاق التهم بالإسلام وأهله دون تمييز بين الشريعة  السمحة وبين السلوكيات البشرية, وهذه الانحرافات تكون في الغالب نابعة من فهم خاطئ لتعاليم الإسلام وتأويل جائر للنصوص أو قراءة مجتزأة لبعض الآيات دون إعادتها للفضاء المعرفي الذي وردت به والاستشهاد بها في غير موضع الاستشهاد الحقيقي لها ومما ساعد على ذلك الجهل بعلم الشريعة واللغة العربية وأدواتها.
 
 
كما ويؤدي العنف إلى غياب منهج الاعتدال عن النظرة والسلوك البشري فيفقد الإنسان ميزة التوسط ويميل كل الميل إلى أحد طرفي نقيض متطرفا بآراءه وسلوكه ويتحول المشروع التعاوني الإنساني بأكمله للخطر لأن من نتائج هذا العنف والغلو وغياب الوسطية عن المنهج المتبع في التعامل مع الآخر والذي بدوره يؤدي إلى إذكاء الصراع  بين الحضارات والعداوة بين الشعوب.
 
لذلك أصبح من الملح لبناء المجتمعات الاسلامية  وتطورها  إعادة النظر في كثير من الأفكار وفحصها لتكون صالحة للخطاب واشاعة لغة التعاون وفهم الآخر بدل من سياسات الإقصاء والإلغاء ونبذ الآخر وكيل التهم للغيربدون دليل .


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد