من المضحك أن تسقط إيران في نفس الأخطاء التي وقع فيه عدوها التاريخي الرئيس العراقي السابق صدام حسين رحمه الله. وكما تسببت تلك الأخطاء في سقوط صدام حسين ستكون هذه الأخطاء سببا في سقوط نظام الولي الفقيه في إيران
الخطأ الأول: -
بعد خروج صدام حسين رحمه الله من حربه مع إيران منتصرا، أصابه الغرور بقوته وحجم جيشه الذي قيل انه حينها وصل إلى المرتبة الرابعة عالميا بعد جيوش كل من أمريكا والصين وروسيا، وظن أصبح قوة لا تقهر وانه يجب أن يطيعه كل من في المنطقة، وعندما لم تستسلم الكويت لرغباته قام باحتلالها، ورفض كل محاولات الوساطة التي قامت بها السعودية،
وأتذكر نتائج مؤتمر الطائف الذي حضره حينها نائب الرئيس العراقي عزة الدوري، وفيه تنازلت له الكويت (إيجار لمدة طويلة) عن جزيرة " كبّر" الكويتية ليقيم عليها قاعدة عسكرية. وحذرته القيادة في المملكة من مغبة استمراره في احتلال الكويت وان العالم كله متأهب للانقضاض عليه، وخصوصا أن اليمين الأمريكي كان في السلطة، وما زالت جذوة حادة 9/11 ساخنة.
ولم يتوقف صدام بل على العكس، زاد تكبرا وصلفا وهاجم الأراضي السعودية وحاول دخول مدينة الخفجي البترولية على الحدود السعودية الكويتية. كان تفسير صدام لهذه المحادثات واللقاءات والدعوات أنها مظهر ضعف وأن ما يحذرونه منه ما هي إلا فزّاعات لا يمكن تحققها على ارض الواقع. واستقلّ واستضعف قوة السعودية وتأثيرها في مراكز صنع القرار الدولي.
وكان ما كان، وهو أمر نكرهه ونتمنى انه لم يقع. وسقط حكم صدام وسقط العراق بأكمله في فوضى.
هذا هو أحد أخطاء إيران الآن. فبعد احتلالها، نعم احتلال بكل معنى الكلمة للعراق، ونجاحها في تكوين وتقوية حزب الله اللبناني، وتسليحها للحوثيين في اليمن. ظنت أنها أصبحت القوة العظمى في المنطقة، وأصبحت صاحبة القرار الاستراتيجي فيها، وظنت انه حقها بحكم المليارات التي صرفتها وبحكم سيطرتها على عقول وعواطف بعض الأقليات من شركائنا في الوطن.
فاندفعت إلى خاصرة السعودية الجنوبية تسلح الحوثيين، وتقوّيهم وتدعمهم بالسلاح والتدريب والمال. ولم يخفي الحوثيون عدائهم للسعودية، فبعد سيطرتهم على صنعاء انطلقت شعارات تقول أن الخطوة التالية هي في احتلال الحرمين الشريفين، ورفع رايات "يا لثارات الحسين" على الكعبة المشرفة والمسجد النبوي الشريف.
تهاونوا بقوة السعودية وأطلقوا على الجيش السعودي " جيش الكبسة " ولمن لا يعرف "الكبسة" فهي إحدى الأكلات الشعبية السعودية.
ظنت إيران أن السعودية ستكتفي بالدبلوماسية الناعمة بل وقد تصل إلى الدبلوماسية الخشنة. وظنت كما ظن صدام حسين انه ليس لدول الخليج أنياب أو مخالب، إنما هي أفواه فقط، وستستطيع السيطرة على اليمن عبر ميليشياتها الحوثية، بل واعتبر مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد الإيراني علي خامنئي أن العاصمة اليمنية صنعاء أصبحت العاصمة العربية الرابعة التابعة لإيران بعد كل من بيروت ودمشق وبغداد، مبيناً أن ثورة الحوثيين في اليمن هي امتداد للثورة الخمينية. وصرح حيدر مصلحي، وزير الاستخبارات الإيراني السابق في حكومة محمود أحمدي نجاد، إن "إيران تسيطر فعلاً على أربع عواصم عربية وهي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
هذا الخطأ في تقدير حجم السعودية ودول الخليج هو الخطأ التكتيكي القاتل الذي أدى إلى بداية تهاوي المخطط الإيراني.
انطلقت عاصفة الحزم بتحالف عسكري عربي فرض سيطرته على الجو والبحر اليمني وبدأ بتحقيق نتائج قوية على الأرض بتسليح المعارضة وتحرير عدن ولحج وأبين والضالع وبدء عمليات تحرير تعز ولا أظنها ستتوقف حتى تصل إلى صعده.
ولعبت الدبلوماسية السعودية بكل قوة وكفاءة فاستصدرت القرار ألأممي 2216 تحت البند السابع في الأمم المتحدة، ليكون غطاءاً سياسياً قويا لكل العمليات العسكرية التي تقوم بها.
لم يقف التحرك السعودي عند هذا الحد. بل نلاحظ التغير الكبير على الساحة السورية، فالمقاومة السورية أصبحت أقوى بفضل الله ثم بفضل إمدادات عسكرية و لوجستية واستطاعت المقاومة إحراز انتصارات قوية وسريعة وتقلصت سيطرة قوات الأسد والمليشيات المساعدة له وأصبحت لا تسيطر إلا على أجزاء يسيرة من سوريا. بل أضحى القتال يدور داخل العاصمة دمشق التي قال عنها المسئولون الإيرانيون أنها أحد العواصم التي سيطروا عليها.
الخطأ الاستراتيجي الإيراني بنصبها العداء لدول الخليج والتكتيكي باستخفافها بقوتهم هو ما سيؤدي إلى قبر الأوهام التوسعية بتصدير الثورة الخمينية إلى دول المحيط العربية.
الخطأ الثاني: -
إيران لم تكن أبدا أقوى من صدام حسين عسكريا، فلا ننسى أن صدام صنع وطور أكثر من عشرة صواريخ مثل أبابيل والحسن والفهد وتموز والعابد وغيرها. بل وطور بعض حاملات الجند والمدرعات التي جربت على ارض المعركة، وما الصواريخ الإيرانية التي يتحدثون عنها إلا تقليد لصواريخ صدام أو نسخ معدلة من صواريخ كورية شمالية أو صينية.
من الحقائق المنطقية في عصرنا الحديث أن دولة مثل إيران أو العراق محدودة المساحة الجغرافية ومحدودة الموارد لا يمكن أن تنافس في سوق السلاح إلا إذا تناغمت مع محيطها الجغرافي و/ أو محيطها الاستراتيجي. وخطأ صدام هو خروجه على محيطه الجغرافي ولم يكن لديه محيط إستراتيجي رغم انه أكثر من المساعدات التي كان يمنحها لدول افريقية وأسيوية ولكن هذا لا يمكن تحوله إلى عمق استراتيجي،
وخطأ إيران هو عدائها مع محيطها الجغرافي وانعدام محيطها الاستراتيجي برغم كل تغلغلها في أفريقيا وأسيا، أما إسرائيل فاستطاعت النجاح في تطوير بعض الأسلحة وبيعها دوليا لأنها وإن كانت تعادي محيطها الجغرافي إلا أنها تحافظ على محيطها الاستراتيجي.
نهاية القول، تحول دولة صغيرة محدودة المساحة ومحدودة الإمكانيات إلى دولة عظمى هو من المستحيلات. فالولايات المتحدة الأمريكية لوحدها 52 دولة متحدة فدراليا، وروسيا مساحتها أكبر من مساحة أوربا بعشرات المرات، والصين لها مساحة جغرافية كبيرة وإمكانات اقتصادية جبارة. أما أوربا فلها عمق استراتيجي في العالم لا ينكره عاقل.
بسبب هذه الأخطاء الإستراتيجية والتكتيكية التي تقع فيها إيران ستفشل في محاولاتها ومخططاتها والتاريخ دليل والمستقبل سيكون الدليل الأكبر
وهكذا تتساقط أحلام إيران، سواء في اليمن أو في سوريا، بل وبدأت بوادر سقوطها في العراق الآن.
وسقوط هذه الأحلام سيؤدي إلى انكفاءها ونشوب الصراعات الداخلية وسقوط نظرية الولي الفقيه وحلم تكوين الإمبراطورية الصفوية في العالم.
قد يخالفني البعض، ولكن أقول لننتظر ونرى.....