أي رسالة حضارية وسياسية؟

mainThumb

31-08-2007 12:00 AM

انشغل العالم بوصول أول إسلامي الى رئاسة الجمهورية في تركيا، بعد ان انتخب البرلمان التركي عبدالله غول على رأس الجمهورية العلمانية العتيدة، وسط جدل واسع في الرأي العام التركي، ومتابعة حثيثة من وسائل الإعلام لمشهد سيدة تركيا الأولى خير النساء غول بحجابها الإسلامي، التي لفتت الانتباه ربما أكثر من الرئيس الجديد ووصفت بأنها المرأة الأكثر جاذبية وأناقة.

حجاب السيدة غول شكل احد رموز معركة الصراع على الدولة التركية بين العلمانية التقليدية التي يحرسها الجيش، والعلمانية الجديدة التي لا تزال تبحث عن طريق يراوح بين القيم الشخصية وحرية العقائد، والحفاظ على علمانية المنهج السياسي والمؤسسات،كما يطرحها نموذج حزب العدالة والتنمية الذي بات يسيطر على الحياة العامة، بعد ان سيطر على معظم السلطات الدستورية في البلاد، ويرفض- الى حد ما- الرضوخ لمقولات علمنة الرموز ذات الصبغة الشخصية المرتبطة بعقائد الأفراد وحرياتهم.

الحضور البهي لسيدة تركيا الأولى الجديدة سياسة أصابت اهدافها بحكمة، كيف لا؟! وقد استطاعت هذه السيدة جلب كل هذا الانتباه والإعجاب والتضامن. انها رسالة هامة وتاريخية لجيل من نساء مجتمع العالم الإسلامي الجديد، العالم الذي كتب حوله خلال السنوات الست الماضية في الغرب وحده عن أحوال مجتمعاته ونسائه أكثر مما كتب على مدى قرون طويلة، ولطالما وصفت النساء هنا بأنهن آخر القلاع المعتمة التي تحرس ليل الشرق.

على مستوى الصراع الداخلي جاءت التداعيات لتخدم النموذج التركي الجديد في تفسير علمانية الدولة، حيث أظهرت نتائج استطلاع أجرته احدى الصحف التركية بأن غالبية الأتراك لا يعارضون ارتداء السيدة الأولى الحجاب؛ بنسبة وصلت الى??%، بينما لا زال تراث العلمانية التقليدية يمنع ارتداء المرأة للحجاب في المؤسسات العامة والمدارس والجامعات.

السيدة خير النساء غول حظيت بمئات القصص الإخبارية على مدى الأيام الماضية، وتحدثت بأن رموزها الشخصية لا تعيق ان تكون مسلمة معاصرة وأنيقة وتعيش في القرن الحادي والعشرين وتحظى باحترام الآخرين، وتقول انها زارت عشرات الدول في العالم بحكم مرافقتها لزوجها وزير الخارجية السابق، ولم يشكل لها حجابها مشكلة إلا في بلادها، التي حرمت فيها من اكمال دراستها في جامعة أنقرة بسبب قصة الحجاب ذاته.

أصبح الحجاب في تركيا جزءا من السياسة، ولعل هذه التداعيات وما تحمل من مفارقات قد تقود الى تعديلات ثقافية جوهرية لا تنال تركيا التقليدية وحدها، بل العالم الإسلامي الآخر الذي لا زالت فيه فئات مهيمنة اجتماعيا وأحيانا سياسيا تحتكر الحقيقة وتفسيرها، وتحصر مسائل التغيير والإقلاع من التخلف بمسائل شخصية ترتبط بقيم الأفراد وسلوكهم وفهمهم للعقائد.

من جانب آخر قد يفهم المشهد النسوي التركي الأخير وفق مستوى آخر من التحليل، فالنساء اللواتي لا زال نصيبهن في السياسة وفي إدارة شؤون العالم متواضعا، يشكلن في الحقيقة نمطا من القوة السياسية الهائلة التي كثيرا ما استثمرت في نمط سياسات نسوية بامتياز، والغريب في هذا الأمر انه كما ينسحب على المجتمعات الغربية ينسحب أيضا على مجتمعات أخرى توصف بتدني حجم مشاركة المرأة في الحياة العامة.

السياسة النسوية تبدو في قوة تأثير النساء في صناعة السياسة في الصفوف الخلفية وقدرتهن على الحسم في اللحظات الفارقة، نحن لا نتحدث عن موجة وصول النساء الى السلطة في عدد من دول العالم التي وصلت أوجها في دول شرقية ومنها تركيا واندونيسيا وباكستان والهند وغيرها، بل عن ظاهرة إنسانية أخرى حينما تصبح النساء سياسة بحد ذاتهن! كيف وظف الرئيس الأميركي الراحل كندي زوجته جاكلين المتعجرفة في حملته الانتخابية التي أسهمت في تغيير الكثير من ملامح التاريخ الأميركي المعاصر، حينما قطعت مسافات طويلة حافية وسط الحقول في مزارع الولايات الفقيرة، مرورا بالخالة الفرنسية زوجة ديغول، وبصورة أخرى ما مارسته زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير من مساندة صنعت بلير نفسه، الى السيدة الفرنسية الجديدة وما تثيره هي الأخرى من تداعيات.

يُمكن ان نكتشف في لحظة ما ان المرأة هي طباخة السياسة الوحيدة في العالم دون ان ندري!

بعض المجتمعات تعلمت أسرار الطبخ مبكرا؛ وبعضها الآخر سيبقى يبتلع السياسة نيّة!

basimtwissi@hotmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد