11 مستقبل التعاون العربي الأفريقي

mainThumb

02-09-2007 12:00 AM

تعرّفنا فيما سبق على الوجود العربي في أفريقيا الموغل في القدم ، وعلى العلاقات العربية - الأفريقية خلال القرنين الماضيين ، وما اعتراها من تحولات وتغيرات ، وما تعرضت له الجماعات العربية المنتشرة في جميع الدول الأفريقية جنوب الصحراء الكبرى ، من أزمات ، وما حققته من مكاسب وإنجازات ، والتفاعل مع شعوب أفريقيا والنهوض بها اقتصادياً وثقافياً. وعرضنا للتراجع والانحسار اللذين منيت بهما العلاقات العربية الأفريقية في العقدين الزمنيين الأخيرين. ويشهد على ذلك ضعف التمثيل الدبلوماسي الراهن في أفريقيا ، فباستثناء مصر والجزائر وليبيا التي لها (42) و (33) و(32) سفارة على التوالي فإن للعربية السعودية (12) بعثة دبلوماسية وللسودان (9) بعثات وللمغرب ثماني وللبنان ثماني وللعراق سبع ولموريتانيا أربع بعثات. يضاف إليه التقصير الإعلامي العربي ، وما يتعرض له العرب من حملات إعلامية في كثير من الدول الأفريقية مصدرها أوروبي أو صهيوني ، ولا تجد هذه الحملات من يتصدى لها ويرد عليها. هذا مع العلم أن (41) دولة أفريقية قد استفادت من قروض المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا ، التي أنفقت على مشاريع إنمائية في هذه الدول بلغ عددها (280) مشروعاً حتى تموز ـ يوليو 2000. ويفتقر هذا النشاط الاقتصادي إلى إعلام يعّرف به في أفريقيا.
وتواجه الجاليات العربية في أفريقيا مشكلات محلية تتمثل في الأفرقة Africanization التي تمنع العرب من العمل في قطاعات معينة أو تقييد حركتهم في قطاع معين. وهم بحاجة إلى دعم حكومات بلدانهم لهم إزاء هذا التضييق عليهم في نشاطهم في بلدان الاغتراب. وتقوم إسرائيل بدور كبير في مناهضة الوجود العربي في القارة السمراء ، وتحريض حكامها ضد الجاليات العربية ، وتشويه صورة العربي لدى الأفارقة بإلصاق تهمة تجارة العبيد بالعرب وتضخيمها. وشاركت أوروبا إسرائيل في حملاتها ضد العرب واللغة العربية والثقافة العربية - الإسلامية ، مثلما شاركت الولايات المتحدة الأمريكية في حركة التبشير المسيحية اليوم في القارة الأفريقية والتي تثير الأحقاد والكراهية بين الأفارقة ضد العرب والمسلمين. واتخذت من الحرب على الإرهاب وسيلة لمناهضة الوجود العربي والإسلامي فيها. والسؤال اللذي يطرح في هذا المجال: ماالعمل؟ وكيف يتستعيد العرب علاقاتهم الطيبة مع إخوانهم الأفارقة؟ لا شك أن تعزيز التمثيل الدبلوماسي العربي في الدول الأفريقية أول السبل لتوثيق علاقات العرب بأفريقيا. ويمكن لسفارة دولة عربية واحدة في أي عاصمة أفريقية أن تمثل بقية الدول العربية ولا سيما الدول العربية الفقيرة التي لها جالية في تلك الدولة. ويفضل أن تحتوي البعثة الدبلوماسية العربية على عدد واف من الدبلوماسيين الملمين بأحوال تلك الدولة وبأحوال الجالة العربية فيها. وتقتضي الحاجة إنشاء أقسام أو دوائر في وزارات الخارجية العربية تعنى بالشؤون الأفريقية.
ولا بد من الإشراف الفعال على الجاليات العربية في الدول الأفريقية لتلافي الممارسات السلبية التي تسيء إليها وإلى صورة العرب بعامة. ويفضل عقد مؤتمرات دورية للمغتربين العرب في أفريقيا والعناية بهم وبالمشكلات التي يواجهونها. وإنشاء جمعيات صداقة بين الاقطار العربية والأفريقية.
ويساهم تفعيل الدور العربي في المنظمات الاقليمية التي للعرب وجود رسمي فيها ، في توثيق العلاقات العربية - الأفريقية.
ولايغيب عن البال أن تنشيط الحوار العربي - الأفريقي على الصعد البرلمانية والمؤسسات الثقافية والسياسية والاقتصادية من شأنه أن يطور التعاون العربي الأفريقي ويدفعه إلى الأمام. وفي هذا الحوار تناقش القضايا والمسائل العالقة بين الطرفين ، وتطرح على بساط البحث وسائل توثيق العلاقات بين الطرفين. ولجامعة الدول العربية دور مهم في هذا المجال ، وعليها فتح المزيد من المكاتب في العواصم الافريقية لتحسين صورة العرب في أفريقيا ومواجهة الحملات الإعلامية والتصدي للإساءات التي توجه للعرب ، ولا سيما في ظل العولمة والحرب على الإرهاب التي تحولت إلى حرب على العرب والمسلمين في كل مكان. ولعل من واجبات الدول العربية الثرية إنشاء مراكز ثقافية عربية في العواصم والمدن الكبرى الأفريقية ، لنشر الثقافة العربية. وربما كانت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أولى بإنشاء هذه المراكز التي ستساهم أيضاً في توثيق صلة الجاليات العربية بثقافتها الوطنية والقومية ، بالإضافة إلى نشرها في الأوساط الأفريقية. ولا شك أن المعهد الثقافي العربي الأفريقي ، الذي بذلت جهود في مطلع الثمانينات من القرن العشرين لإنشائه ، بإشراف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ومنظمة الوحدة الأفريقية في إطار التعاون العربي - الافريقي ، كان الهدف منه رعاية مختلف أنشطة البحث والتبادل الثقافي بين الدول العربية والأفريقية المعنية بالتراث المشترك والمخطوطات ، والتعاون بين الجامعات والهيئات الثقافية وإقامة المهرجانات وأعمال التدريب ، وإعداد المعلمين والمعنيين بالنشاطات الثقافية المختلفة. ولسوء الحظ لم ير المعهد النور.
ومن الجدير بالذكر أن العناية بدور المكاتب القرآنية التي تعلم القرآن الكريم أمر في غاية الأهمية في الدول الأفريقية ذات الأكثرية أو الأقلية الإسلامية ، لأن هذه المكاتب تستقبل الأطفال من الجنسين حيث يتعلمون حفظ القرآن الكريم والكتابة العربية. وفي الميدان الاقتصادي ، فإن إنشاء مؤسسة مالية عربية - أفريقية مشتركة للاستثمار تشترك فيها المصارف العربية من أجل الاستثمار وضمانه في أفريقيا من شأنه أن يوثق العلاقات العربية - الأفريقية. كما أن الاتفاق على قيام منطقة تجارة تفضيلية عربية - أفريقية ، وإقامة المعارض التجارية العربية - الأفريقية المشتركة ، وتفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الثنائية والجماعية بين الدول العربية والدول الأفريقية من شأنها تعزيز هذه العلاقات. ولا حاجة إلى ذكر ضرورة القيام بالدراسات الواقعية والعملية للأسواق الأفريقية كشرط مسبق للتبادل التجاري بين الطرفين.
وأعتقد أن أي محاولة لتطوير علاقات العرب مع أي منطقة في العالم تقتضي قبل كل شيء تطوير العلاقات الاقتصادية والثقافية والسياسية بين الدول العربية نفسها ، لأن كل المحاولات الفردية التي بذلها العرب في اتجاه العالم لم يكتب لها النجاح ، ولم تحقق الأهداف المرجوة منها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد