صحيفة السوسنة الأردنية

في منازلنا ، تماماً ، التي هي بالضرورة ، منازل الناس ، يحلُّ رمضان بطقوسه واشتهاءاته ، مثلما تتبدّى مشاهد النزق والافتعال وسطوة التعب المرافقة لزعمنا " أنّ سلوكنا اليوميّ الرمضانيّ يقع في باب التصرفات المعتادة في شهر الصيام " . ندّعي الصبر والحكمة ولا نقدر على ضبط سلوكاتنا حيال اختلاف مع الزوجة والأولاد حول موقع مائدة الإفطار ومكانها المناسب .. نسأل عن " طبق اليوم " ومكوّناته ، ثمّ ما نلبث وأثناء تناولنا لطعام الإفطار أن نسأل عن " طبق الغد " ، وكأنّ الحياة ذاهبة بنا إلى أبد الدهر ، نلوذ في عملنا وشوارعنا بذريعة الصوم ونمارس عن قصد وسبق إصرار " تجهماً وترهلاً واضحين " ... والمفارقة أننا نملأ أسماع الدنيا صخباً وضجيجاً حين يصير الحديث إلى " حكمة الصوم " ، وندّعي فهماً بالفقه والأسباب ، فيما نقطع صلتنا بالناس والأهل والأرحام ونكنتفي بالسهر والاعتناء بالمعدة .

هكذا ، في أغلبنا ، نقدّم الدروس والمواعظ الأخلاقية بضرورة احترام شهر الصوم والتزام واجباته ، فيما تتدلّى " كروشنا " جراء " ازدراد " كميّات فائضة عن الحاجة من طعام وشراب وحلوى ، نزعم فهمنا لمعادلة الفقر والحاجة ، ونترك الفقراء في الجوار ، قرب النافذة ربّما ، يلوذون بالقهر والعوز ... نتسمّر أمام " الشاشات والفضائيات " بحثاً عن " ترفية وتزكية صيام " ، ونصرخ في نهاراتنا وعلى الملأ بدفع الناس إلى " تكريس الوقت للطاعات وصلة الرحم والالتفات إلى ذوي الحاجة " !!! ، نقترف الضغائن ونسعى ببعضنا إلى الوقيعة والنميمة ونركن في آخر الأمر إلى تبرير بأنّ " شهر رمضان فيه توبة ومغفرة " .. ونمنع مبادرة الخير عن أنفسنا ونحرم المحتاج حقه في شيء مما أوجبه الشرع ، متذرعين بالسهو أو الفاقة ، فيما نتهافت على شراء " ما يلزم وما لا لزوم له " ... هكذا ، في منازلنا ، قليل منها أو كثير ، وفي أنفسنا نصوم رمضان لكننا لا نعرف الشهر وقد " لا يعرفنا " ... نصوم نائمين ونصحو على طعام وموائد ونزق ٍ وفوضى ... ففي بيوتنا رمضان ، ولكن في الجوار فقراء ومحرومين وأيتام يصومون بالصبر والسكينة والشكوى لله وحده ، ونصوم ، كلنا أو كثير منا ، بالاشتهاء والموائد الملوّنة العريضة ! هل خرجنا عن إطار المباح والمتاح ، في " هوامش الكلام " ؟ .. تلك مسألة أخرى عن رمضان وعن الناس ، لها وقفة أخرى . madaba56@yahoo.com