ليس معقولا ولا منطقيا ، أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها بوش الصغير آنذاك - المتصهين الذي جيء به من قبل مراكز الضغط اليهودية في واشنطن ، نكاية بأبيه بوش الكبير الذي كسر "خشم" مستدمرة إسرائيل ومرغ أنوف قادتها وفي مقدمتهم رئيس الوزراء الأسبق إسحق شامير بالوحل ، عندما رفض الإملاءات الإسرائيلية ، وعلى رأس القائمة منح إسرائيل قرضا بقيمة عشرة مليارات دولار ، مقابل المشاركة في مؤتمر مدريد عام 1992- قد قامرت وغامرت بسمعتها الدولية وخرقت ميثاق الأمم المتحدة ، ومارست أكبر كذبة في التاريخ أمام مجلس الأمن الدولي ، من أجل إحتلال عابر للعراق !
لقد آمن بوش الصغير من خلال الهرطقات الصهيوينة أن من ينتصر على العراق - الذي خاض حربا مدمرة مع إيران ، إستنفذت منه ثماني سنوات في مقياس الزمن ، وجل قدراته المادية والعنوية ، وفرض عليه حصار خانق ، وتعرض لعدوان ثلاثيني شارك فيه بعض العرب ، بمعنى أن العراق لم يعد تلك القوة التي يحسب لها حساب ، وهذا ما أراده له القريب قبل البعيد – سينتصر في حرب "هرمجدون " التي تؤرقهم ووردت في الأثر .
قبل الغوص في التفاصيل لا بد من التذكير أن يهود يحقدون على العراق ، بلا حدود لعدة أسباب أولها وجود حبل سري بين العراق وفلسطين ، وكان الآشوريون يعتبرون فلسطين جزءا من أمنهم القومي ، ويستنفرون عمليا عند تعدي أي قوة غازية عليها ، شأنهم في ذلك شأن العرب الفراعنة القدماء في مصر ، إضافة إلى قيام القائد التاريخي العراقي نبوخذ نصر بسبي اليهود بعد أن لقنهم درسا لن ينسوه أبدا لتجاوزهم حدودهم في فلسطين ..كل ذلك جعل العراق أولا في مخططاتهم .
جاءت أمريكا إلى العراق بالطريقة المعروفة لتبقى ، لكن المقاومة العراقية التي إنطلقت في زمن قياسي قصير ، لخبطت كل أوراق واشنطن ومخططاتها ، وأجبرتها على دفع ثمن باهظ في البدايات ، جعل الشعب الأمريكي يستقبل يوميا العشرات من الجثامين التي تعود لعسكريين يقاتلون في صفوف الجيش الأمريكي ، رغم أن غالبيتهم ليسوا من الأمريكيين الأصليين ، بل هم من المرتزقة او الموعودين بالحصول على الجنسية الأمريكية ، ومع ذلك فقد شكلوا حالة في أمريكا ، ما جعل الرئيس أوباما يقرر سحب قواته من العراق أو هكذا هيء لنا .
ومع الأسف فإن العراقيين وبكل فئاتهم تآمروا على العراق وأعادوه إلى حضن الإحتلال الأمريكي مرة أخرى وإلى الأبد ، بعد أن تخلوا عن مقاومتهم وباتوا يسعون خلف أمريكا لنيل الرضا ، فأمريكا لم تأت إلى العراق بحاضنة دولية ، ليقال أن ما قامت به عبارة عن نزوة فقط .
ما فعله العراقيون الذين يختلفون عن الفلسطينيين ، كان كارثة على العراق ، ومثل خسارات فادحة ، وقاد إلى شطب العراق من الخارطة السياسية الدولية ، بعد أن دخل في مرحلة التقسيم الفعلي ، وتحديدا بعد زرع الخوارج الجدد داعش فيه ، ليعيثوا فيه فسادا تمهيدا لفصله عن بعضه ، في الوقت الذي نرى أمريكا - بعد الإنتكاسات الإقتصادية التي عانت منها بفعل يهود أولا وغزو أفغانستان والعراق وتوريطها في الحرب على ما يسمى الإرهاب – تشهد إنتعاشا إقتصاديا بسبب مجريات الأمور في العراق وغيره من الدول العربية المرشحة للتقسيم بعده .
لن تغادر أمريكا العراق حتى لو لم يبقى فيه عراقي واحد وهذا هو المطلوب أمريكيا وإسرائيليا ، وقد تراجع أوباما عن قراره بعد إعادة الروح للحرب الطائفية التي يقودها داعش في العراق ، وقام أوباما بالمصادقة على إرسال 450 مستشارا عسكريا أمريكيا إلى العراق لينضموا إلى طابور المستشارين العسكريين الأمريكيين هناك ، والذي لا نعلم ما هي مهمتهم لأننا لسنا مقتنعين بأنهم يقومون بتدريب الجيش العراقي ،إذ عن أي جيش يتحدثون ؟
لن تقدم أمريكا على خلع مسمار جحا من العراق حتى لو تم تقسيمه ، فوجودها خدمة مزدوجة لها و لإسرائيل ، وسيبقى النفط العراقي مهما لأمريكا حتى لو تحدث البعض عن بدائل للنفط الأحفوري.
اللهم لا شماتة ، فهاهم الذين ورطوا العراق مع إيران وورطوه في الكويت وطلبوا من الكويت عدم الإستجابة لمطالب الرئيس الراحل صدام حسين ، يقعون في الفخ ذاته وبات شبح التقسيم يحوم كالغراب فوق رؤوسهم.