لصيانة شبكة الجسور الاجتماعية

mainThumb

02-09-2007 12:00 AM

كمواطن, وقبل ان اكون صحافيا, اشعر بتزايد الاحداث والتداعيات التي تشكل عبئا ماديا ومعنويا على الجميع. من مياه المنشية الى ازمة الانتخابات البلدية وتسمم الشاورما مرورا بالاستقالات الوزارية واهمها استقالة وزير المالية التي ارتبطت برفع او عدم رفع الدعم عن المحروقات وانتهاء بردود الفعل الشعبية على رفع الدعم عن الاعلاف.

احداث بعضها هامشي والآخر من نوع الازمات العادية التي (تحدث في احسن الدول) غير ان الاجواء التي افرزتها في البلاد جعلت منها مؤشرا على وجود خلل ما في شبكة العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

هناك خلل في عمل الفريق الوزاري ظهر جليا في اكثر من صورة منها (1) الاستقالات الوزارية على خلفية السياسات المتبعة والعجز في حسم المشاكل او التوحد في مواجهتها (2) تكرار عادة اصدار القرارات ثم التراجع عنها امام ردود الفعل مثل قضية استيراد الخراف من سورية. ومسألة رفع الدعم عن الاعلاف, التي غرقت بالتصريحات والمواقف الحكومية الغامضة مما يعقد الاوضاع على الارض.

غير ان الخلل الاكبر يكمن في غياب او تغييب جسور التواصل والاتصال بين الادارة الحكومية وبين مختلف القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية من المدن الى الريف والبادية. مما ادى الى اوضاع داخلية تغيب فيها اللغة المشتركة بين الحكومة وبين المجتمع, التي لا غنى لأي حكومة عنها اذا ارادت ان تحقق خططها الاقتصادية والتنموية اضافة الى ما يجب ان تحرص عليه من توفير دعم شعبي لكل قرار صعب وقاس يحتاج الى تفهم المواطنين وقبولهم.

لا توجد قرارات وسياسات من دون ابعاد اجتماعية واقتصادية وفيما تعمل الدول المستبدة على تطويع المجتمعات بالعنف لتقبل الاثار السلبية لهذه القرارات, فان الدول الديمقراطية تحرص على ان تجد سياساتها رضا وقبول المجتمع او غالبيته, وهنا يكون لمؤسسات المجتمع المدني من الاحزاب والنقابات الى الجمعيات والمنتديات والشخصيات السياسية والاجتماعية دور كبير في مساعدة الحكومات على تطبيق الخطط والبرامج والسياسات.

النظام الاردني, بطبيعته الملكية الهاشمية وع?Zقْدِه الاجتماعي الدستوري, كان دائما نظاما قائما على التوافق والتفاهم والاقتراب من الشعب حدا يصل مرتبة التعددية في انظمة التداول الحزبي. ولقد درج الاردنيون على وصف نظامهم ب¯ (الديمقراطية الاردنية) رغم علمهم انها لا تقوم على تبادلية حزبية او حكومات انتخابية. والواقع, ان احدا لم يصف النظام بانه نظام الحزب الواحد, او لجماعة حاكمة بعينها.

كل ما ورد من توطئة في هذه المقالة تمهيد للقول الواضح الصريح بان من المهم للحكومة والادارة ان تحرصا على بناء الجسور فيما بينها وبين جميع فئات وفعاليات المجتمع من مكوناته المدينية (في المدن) من احزاب وتنظيمات وشخصيات وفعاليات اجتماعية وسياسية الى مكوناته الريفية والبدوية (عشائر وشخصيات وفعاليات اجتماعية مناطقية). ان غياب هذه الجسور يعني تغييب الثقة, اضافة الى عسر الفهم للكثير من السياسات والقرارات الحكومية حتى لو كانت عادلة او صائبة مئة بالمئة.

سياسة التقليل من شأن الجميع والتعامل فقط بالاوراق والمعطيات والارقام لا تخلق المناخ الايجابي لتطبيق السياسات والبرامج, انما تشيع جوا من الحذر والتشكيك وبذلك تتحول المشاكل الصغيرة (من حبّة الى قبّة) وبما يؤدي الى تفجر الازمات المتعاقبة التي تؤشر على عدم الرضا وتصدع الجسور.

اذا ارادت الحكومة ان تنفذ رغبة الملك في انتخابات حرة نزيهة وبمشاركة الجميع فعليها ان تخلق المناخ الوطني لهذه المشاركة, بالحوار والاتصال والتفاهم مع القوى السياسية والاجتماعية لا بسياسة التهميش والعزل و(الترفع) عن المواجهة واسلوب الاقناع.

واذا ارادت الحكومة ان تواجه المتاعب المالية والاقتصادية, واحتواء الاثار السلبية للقرارات الضرورية الصعبة, عليها اولا ان تحرص على شبكة الجسور بينها وبين فعاليات المجتمع, من الشخصيات السياسية والنيابية الى شيوخ العشائر ووجهاء المناطق والفعاليات المجتمعية الاخرى التي, كما اثبتت تجربة الدولة, ظلت جسرا متينا بين النظام والمجتمع, وهو ما مكنّ البلد من تجاوز التحديات, السياسية والاقتصادية والامنية فهذا هو الخيار الواقعي للدولة في مرحلة ما قبل الحكومات المنتخبة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد