إهانة واحدة لعشائرنا زمن هرقل غيرت التاريخ
بداية , لا بد من الإشارة الى موقف تاريخي عظيم للعشائر الأردنية غير مجرى التاريخ , وقد حدث عام 628/629 ميلادية سنة 6/7 للهجرة , وكان ذلك في نيسان أو أيلول من ذلك العام قبل أربعة عشر قرنا , حيث كان المعتاد أن تقوم الدولة البيزنطية ( الرومان ) بدفع الجعل السنوي ( الخاوة / الشرهة / الصرة / الضريبة ) التي كانت دولة بيزنطة تدفعها للعشائر الأردنية كل عام , تارة في أيلول وتارة في نيسان , وكان زعماء العشائر يجتمعون في بلدة القسطل الحالية جنوب ربة عمون , والتي كانت ولا زالت في ديار بني صخر الجذامية الأردنية , وهي الان على طريق المطار الدولي .
وفي السنوات أعلاه (629 م / 7 للهجرة) تجمع زعماء العشائر الأردنية كالمعتاد وحسب المتفق عليه ذلك العام (وكان جلهم لا زال على دين الوثنية ومنهم من كان على دين النصرانية) بانتظار استلام حقهم ذلك العام، وذاك الذي لم تدفعه بيزنطة في السنة الفائتة بسبب متاعبها المالية المترتبة على حربها مع الفرس، فخرج ضابط الصرف الروماني غاضبا، وخاطب زعماء عشائرنا بقوله: (من أين لي بالمال لهذه الكلاب الضالة وأنا لا أجد رواتب الجنود الا بالكاد، فليس عندي مال أعطيه لكم).
وهنا غضب زعماء العشائر الأباة (الوثنيون والنصارى) من هذه الإهانة، وكانوا يمثلون عشائرنا في الأردن التاريخي: الممتد من جنوب ينبع على البحر الأحمر وشمال يثرب، الى تخوم الربع الخالي والفرات الى شمال الحرة ووادي السرحان الى ما بين صور وشمال عكا، والغور بضفتيه، وعقدوا مؤتمرا عاجلا على مرأى ومسمع من الحامية الرومانية في القسطل للتداول بهذه الإهانة.
قرر زعماء العشائر تحرير الأردن من الاحتلال الروماني الذي كان استمر خمسة قرون (وكان الاحتلال اليوناني قبله استمر خمسة قرون أيضا) وأن يدعموا الدين الإسلامي وجيشه وينضموا اليهما، ويتخلى الوثنيون عن وثنيتهم، ويتخلى من شاء من النصارى عن دين دولة الاحتلال الروماني الرسمي وهو النصرانية.
وصل الخبر الى هرقل عظيم الروم وترك سائر الجبهات وأعطى الأولوية القصوى للجبهة الأردنية التي إذا ضاعت منه ضاعت بلاد الشام برمتها، وتحرك الى شمال الأردن، وفاوض وفدا من زعماء عشائرنا الأردنية في أم قيس واعتذر إليهم وتودد لهم، ولكنهم اشترطوا أن يدفع لهم الروم الخاوة المعتادة عن ثلاث سنوات هي السنة الجارية والسنة الفائتة والسنة القادمة، فوافق لقاء مغفرة زلة ضابط من ضباطه، مما كسر ميزانية القسطنطينية وأضعفها فوق ما هي عليه من ضعف.
ومع هذا لم تغفر العشائر الأردنية هذه الإهانة واجتمع مائة الف منهم في ربة مؤاب (الربة الحالية/ الكرك ) والتحق بهم مثلهم من العدد من الروم لمواجهة ثلاثة الاف مقاتل عربي إسلامي في معركة مؤتة ( سنة 8 للهجرة ثمان للهجرة (630م) , ولم يقاتل الأردنيون ضد اخوتهم العرب المسلمين ,وانما استخدموا طريقة جيتك ( جئتك ) جيتك ويقابلها في المثل الأردني : (عناك وما أنا عندك) وكانوا يسوقون الروم لسيوف المسلمين , وبعد ثلاثة أيام من القتال استشهد من المسلمين , ثلاثة عشر رجلاً (منهم القادة الثلاثة )، أما الرومان فقتل منهم ثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمسون رجلا, فانكسر الروم , وانسحب المسلمون , وبذلك انتقمت العشائر الأردنية لكرامتها من كلمة إهانة .
الدفائن والخزائن هي أموال العشائر أصلا
لا بد من القول هنا أن أموال الأردن وخزائنه عبر عشرات القرون , التي خبأها الأردنيون في دفائن في باطن الأرض سواء تلك التي كانت للدولة أم للأفراد , انما كانت أموالا دفعها أو جمعها الأباء والأجداد زمن الوثنية والمسيحية والعصور الاسلامية , وكانت الأردن مركز خزائن الأتراك الذهبية في الحرب العالمية الأولى , وكانت الدول التي تحكم الأردن سواء الوطنية منها أو الاحتلالية لا تتوانى عن دفع الخاوة لعشائرنا مثلما كانت تأخذ الضرائب منهم , والا تعذر على هذه الدول الاستمرار والاستقرار , وبالتالي فان كنوز( دفائن ) تلك الدول هي ملك للعشائر الأردنية لأنها أصلا أموالهم , وليس من حق أحد أن يأخذ هذه الدفائن لجيبه وحسابه الخاص وانما هي لعشائرنا قاطبة .
ولو أن هذه الدفائن والخزائن التي تم استخراجها من قبل حفنة من حفاري القبور وقطعان باحش، وزعت (بضم الواو) على عشائرنا باعتبارها أموال الأجداد، لكانت العشائر بأحسن حال ولكانت الأردن جنان (جنات) وارفة الظلال كثيرة الغلال كالتي كانت عليه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ووصفها في قوله الشريف (كجنان الأردن).
وأما أن يستأثر بأموالنا حفنة أو شرذمة بحجة أو بدون حجة، فانه ما كان يمكن أن يحدث هذا عندما كانت عشائرنا زمن الوثنية وكانت من الأنفة والكرامة والعنفوان بحيث لا تقبل الإهانة، بل ان كلمة واحدة حينها ساهمت بانهيار بيزنطة، وتحرير الأردن واعتناق أهله الإسلام الحنيف، كما ذكرنا أعلاه.
أموالنا لا تصل الينا
اما في الوقت الحاضر، فان الأموال التي تهيمن عليها الدولة بالأردن، وهي من دمائنا أو من كنوز أجدادنا الدفينة أو المعادن أو المساعدات لا يصل منها شيء للعشائر الأردنية، وانما الى حفنة هنا أو شرذمة هناك، تربعوا على هرم الفساد وتحولوا الى ديناصورات تأكل الأخضر واليابس، التي هي خارج إطار التاريخ والزمن ولا تستحق الحياة، وبقيت عشائرنا بعيدة عن خيرات بلدهم الأردن وأمواله وخزائنه، وهي عنهم بعيدة.
ويأتي الينا الغريب أو النكرة أو الرقيع والرويبضة، وهو لا يلوي على شيء ولا يجد الحصيرة ولا المأوى ولا كفايته من الغذاء والكساء، لكنه عندما ينضم الى مأخور الفاسدين والماسونيين فانه ينضم الى جوقة الافساد والفساد ومصاصي الدماء، ويصبح ديناصورا كبيرا ومهرجا أو صامتا أو ضاحكا بخبث ولكن كالبقرة الضاحكة، فالمهرج منهم ينهب والصامت منهم ينهب والناعم منهم ينهب والخشن منهم ينهب والباحش منهم ينهب والفاحش منهم ينهب، والضعيف ينهب والقوي ينهب، ومن يدعي الشرف ينهب ومن يجاهر بالعهر ينهب.
وإذا بالصادق فيهم أكذب من مسيلمة الكذاب، ومدعي الايمان أكثر نفاقا من المنافق عبد الله بن أبي بن سلول.
وفي الأردن كل فاسد وفاسدة يدعي أنه يريد مصلحة الأردن التي تعني عندهم بقاء الفاسدين واستمرارهم على حساب العشائر الأردنية. والخاسر الوحيد المنهوب هو الأردن وأبناء العشيرة الأردنية.
الثروة والارضاء للغرباء والفاسدين وعلينا الحراسة والأذى
وتحول العديد من هؤلاء الرويبضات الى أصحاب أطيان ومصانع ومقالع لوثوا البيئة النقية ونشروا الأمراض بين أبناء البوادي والقرى ويربحون مرابح خيالية لا يحصلون عليها أو مثلها في أي مكان اخر في العالم، ومن حق عشائرنا في البوادي والقرى أن يحصلوا على نصف الدخل من المصانع والمقالع الموجودة كل في ديرته، ومن حقهم أن يعمل أبناؤهم فيها وليس العمالة الوافدة فالأردنيون أولى بأموال الأردن وخزائنه وسلاحه.
لقد ضاع حق عشائرنا الأردنية من الأموال التي تم انفاقها على ملايين السوريين النازحين وغيرهم (ممن تم استجلابهم) من مخرجات الأزمات العربية، ولا أدري لماذا تكون الدولة سمحة وسخية مع الغرباء والوافدين، وتكون نكدة وبخيلة مانعة للماعون على العشائر الأردنية، وتمن علينا بأي شيء يكون جزءا من حقنا وواجبنا على الدولة، وتعتبره مكارم علينا.
فالاعتراف الرسمي المعلن أن الأردن أنفق من الخزينة ثلاثة مليارات عدا ونقدا على اللجوء السوري في عام 2014 وحده، عدا عن الانفاق في الخدمات غير النقدية مثل الصحة والتعليم والمساعدات والمياه وتلوث البيئة والحمل الثقيل على البنية التحتية، والكلفة الأمنية، وهي بمجملها تساوي الرقم أعلاه. ولو ضربنا هذه المليارات بأربع سنوات وهي وجود السوريين عندنا لوجدنا أنه تم الانفاق على السوريين وحدهم أكثر من عشرة مليارات دينار أردني من مال الأردنيين، ولو تم توزيعها على العشائر لعاشت في أحسن حال، ولو تم انشاء مشاريع إنتاجية بالأردن لأصبحت الأردن في مصاف الدول المتقدمة. اذن أموالنا تذهب للغرباء تحت عناوين ومسميات لا علاقة لنا بها أبدا، وان العشائر الأردنية أولى بهذه ونحن أهل الكرامة والتكرم والمكارم على الدولة وعلى الجميع.
فأموال الأردنيين تذهب أيضا لتسليح العشائر العراقية والسورية، والانفاق على زعماء تلك العشائر تحت مسمى العلاقات المميزة مع زعامات العشائر المجاورة، ودعم تلك العشائر وارضاء زعاماتهم حيث يتنعمون على حساب عشائرنا وزعاماتنا وهم الأولى بالدعم، وهم الأولى أن تطلب الدولة ودهم (أي ود الأردنيين) وليس ود الغرباء.