بقي كابوس الوطن البديل فزاعة ضاغطة, استخدمها ولا زال يستخدمها سُرّاق (بضم السين وتشديد الراء = اي لصوص ) التاريخ لحماية انفسهم واستمرارهم , عبر تخويف الأردنيين من خطر , هم من صنعه , وهيأ له الظروف والأسباب , وكانت هذه الفزاعة أداة لضرب الناس بعضهم ببعض, ضمن سياسة :قبل ان تفرق لتسود , عليك ان تشكك لكي تفرق وتقود , لخطف انتباه الناس بعيدا عن حقيقة مخطط لخدمة الصهاينة , عبر تفريغ فلسطين من أهلها , لإغرائهم بالنزوح الى الأردن , بحجة الظروف الإنسانية والوحدة الوطنية , ودعم الاهل بالمناطق المحتلة , عبر ترحيلهم منها لحل المشكلة السكانية التي تواجه الصهاينة, بصمود ووجود الفلسطينيين فوق ارضهم فلسطين .
وفي الحقيقة ان هذه الإجراءات التي أقامها ودعمها سرّاق التاريخ، انما كانوا يحلون بها المشكلة الصهيونية، التي تؤرقها المعادلة السكانية الفلسطينية في فلسطين المحتلة، مقابل ان الصهيونية تدعم هؤلاء السرّاق. كل ذلك على حساب خلق مشكلة للأردنيين وللفلسطينيين معا.
وبعد توقيع اتفاقية وادي عربة عام 1994، وهي حصيلة مئات الساعات من الاتصالات والعمالة السرية الحميمة، ادعى من سعى اليها وأقرها وبشر بها، أنها ستدر علينا لبنا وعسلا وذهبا على الأردن وأهله، وخدمة للأجيال القادمة، وأنها تمت لحماية الأردن من مؤامرة الوطن البديل، وأن الوطن البديل قد تم دفنه في أعماق البحر الميت، أو في وادي العربة.
وصار هؤلاء الادعياء وسرّاق التاريخ، يتبجحون انهم حماة الأردن من أكبر مؤامرة عليه، وهي الوطن البديل، مع أنهم هُم من زرع هذه المؤامرة، ورعى نبتتها، وصنع منها مزارع تفريخ وتفقيس، وأنبت منها مشاتل لزراعتها في كل ركن وزاوية من الجغرافيا الأردنية وعلم الاجتماع والسياسة، ليس حبا بفلسطين وانما خدمة لهم وللمشروع الصهيوني، وحلا لمشكلة التفوق السكاني الفلسطيني في فلسطين، وهو الهاجس الأول للصهاينة، وحلا لمشكلة اشغال الأرض هناك وهي الهدف الأساس للاحتلال، أيا كان الاحتلال.
أدرك المغفور له الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات رحمه الله، هذه المؤامرة على الأردن، وعلى فلسطين على حد سواء، ووجد انها مخطط سيجعل فلسطين بدون الفلسطينيين، ويجعل الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين عن فلسطين، التي هي وطنهم وبلدهم الذي لا وطن لهم سواه كما يقول أبو عمار رحمه الله، ويضيع الشعبان والهويتان معا على ايدي من يدعي حمايتهما وخدمتهما وبناء القطرين، وأدرك رحمه الله، ان ذلك سيؤدي الى الصراع الدموي بين الشعبين، اجلا ام عاجلا، والذي لا تحمد ولا تعرف عقباه.
فكان ان عمل على احباط مؤامرة الوطن البديل، لأنها ضد البلدين والشعبين والهويتين والشرعيتين والكيانين، رغم الحملات الخفية ضده رحمه الله، للنيل منه ومن عزيمته، على انه العدو الأول للأردن والاردنيين، وانه الحامل الأكبر لمؤامرة الوطن البديل، وانه الساعي لتشتيت الشعبين، واحلال الفلسطينيين مكان الأردنيين، وهو ما كانت ابواق سرّاق التاريخ تدعيه، وثبت الان بطلانه وزوره. وثبت أيضا أن سرّاق التاريخ هم من تجاوب مع هذه الغايات والمؤامرات والمخططات، وان كل الاتهامات التي رموا بها الرئيس عرفات يستحقونها بجدارة متميزة، وأنهم من ينطبق عليهم القول العربي: رمتني بدائها وانسلت.
الرئيس عرفات الذي هو واحد من دهاة العرب بدون منازع، أدرك هذا الخطر وعمل على اجهاض المؤامرة، ونجح ايما نجاح في مسعاه، وان ادعى سرّاق التاريخ، الذين سرقوا جهود الأردنيين وانجازاتهم، من قبل ومن بعد، أنهم هم من أحبط مؤامرة الوطن البديل وادعوها لأنفسهم.
حقق الرئيس عرفات ثلاثة أمور استراتيجية مفصلية هامة في تاريخ النضال الفلسطيني، واجهاض مؤامرة الوطن البديل على الأردن، وهي:
= انتزاع التمثيل الفلسطيني من سرّاق التاريخ.
= وانتزاع القرار الوطني الفلسطيني المستقل من الرئيس السوري ، رغم حرب إبادة المخيمات المتكررة عليه في لبنان
= وهزم إسرائيل وامريكا عندما انتزع منهما الاعتراف والاقرار بثلاثة أمور هامة ومصيرية وهي:
1-الاعتراف بالشعب الفلسطيني كشعب له هويته وشرعيته وقضيته ووطنيته وقيادته وسياسته وقراره وشخصيته
2-الاعتراف بالحقوق السياسية والسيادية المشروعة للشعب الفلسطيني على وطنه فلسطين حيث لا وطن لهم سواه.
3-انتزع اعترافهم بان منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، أينما كان, والمفاوض الشرعي باسمه. ولهذه الفقرة قصة هامة، وهي انه في مؤتمر القمة العربي في الرباط عام 1974، حدثت المشادات حول من يمثل الفلسطينيين، واستمع القادة الى طرفي النزاع، وهما عرفات والطرف الذي يقابله، الذي قال ان أبناء الشعب الفلسطيني في الأردن والضفة الغربية (الفلسطينية) يحملون الجواز الأردني، وبالتالي فان عرفات والمنظمة لا يمثلون الشعب الفلسطيني.
فقال عرفات , دعونا نتحدث عمن هم في الضفة الفلسطينية , هل يقبل الزعماء العرب مني تمثيلهم لو جئت بوثيقة موقعة من مليون فلسطيني هناك , فوافقوا بما فيهم الطرف الذي يدعي تمثيل الفلسطينيين , لاعتقاده استحالة ذلك , فاستخرج عرفات وثيقة موقعة من مليون فلسطيني في فلسطين , طولها عدة امتار, عليها المبايعة لمنظمة التحرير , انها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين , ومنها توقيع من كان يعتقد الطرف المنافس انهم من أزلامه ,وكان اغرقهم بالهبات والعطايا , فقرر المؤتمر في تلك الجلسة التاريخية, عام 1974 , ان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل مكان ومهما كانت جنسيته
وبذلك فان الرئيس عرفات، وليس من زعيم سواه، هو من خدم الأردن في هذا السياق، ورفض مؤامرة الوطن البديل الصهيونية وهو من أحبطها، وهي التي كان ولا زال لها أذرعتها ودعاتها في بلادنا، ولكن عرفات حولها من فزاعة يستخدمها سرّاق التاريخ، الى سلعة بائرة حائرة، لا سوق لها الا لدى الجهلاء والسحيجة والسراق ومن لف لفهم.
لقد أنهي الرئيس عرفات الخلاف والصراع حول الهويتين الأردنية والفلسطينية، وترسخت فلسطين للفلسطينيين، والأردن للأردنيين كما هي وكما يجب أن تكون، كل له هويته وشرعيته، وهو رحمه الله، من اعتبر إقامة الفلسطينيين على الأرض الأردنية، إقامة اخوية مؤقتة طالت ام قصرت، على طريق عودتهم الى فلسطين غربي النهر، وان تكون القدس الشريف عاصمة الدولة الفلسطينية ورفض التفاوض او التنازل عن هذا المبدأ مهما كلفه، وقد كلفه هذا الموقف حياته.
وهو ورفاقه الكرام من وضع الميثاق الفلسطيني الذي تم اعتماده نهائيا في 10/7/1968، ليؤكد القرارات والمبادئ والأهداف العربية الفلسطينية، والذي يشتمل حربا على الوطن البديل، ويكرس أهمية وقدسية الشخصية الفلسطينية، على ارض فلسطين غربي النهر وليس شرقيه. وفيما يلي دليل من مواد الميثاق الوطني الفلسطيني، التي تبين ان الرئيس ياسر عرفات ضد الوطن البديل، وانه ليس ضد الأردن، ولا مطامع له بالأردن، بعكس ما يدعيه سرّاق التاريخ، وان همه هو فلسطين وليس سواها:
المادة 4: الشخصية الفلسطينية صفة أصيلة لازمة لا تزول وهي تنتقل من الآباء إلى الأبناء وإن الاحتلال الصهيوني وتشتيت الشعب العربي الفلسطيني نتيجة النكبات التي حلت به لا يفقدانه شخصيته وانتماءه الفلسطيني ولا ينفيانهما.
المادة 5: الفلسطينيون هم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى عام 1947 سواء من أخرج منها أو بقي فيها، وكل من ولد لأب عربي فلسطيني بعد هذا التاريخ داخل فلسطين أو خارجها هو فلسطيني.
المادة 6: اليهود الذين كانوا يقيمون إقامة عادية في فلسطين حتى بدء الغزو الصهيوني لها يعتبرون فلسطينيين.
المادة 7: الانتماء الفلسطيني والارتباط المادي والروحي والتاريخي بفلسطين حقائق ثابتة، وإن تنشئة الفرد الفلسطيني تنشئة عربية ثورية واتخاذ كافة وسائل التوعية والتثقيف لتعريف الفلسطيني بوطنه تعريفاً روحياً ومادياً عميقاً وتأهيله للنضال والكفاح المسلح والتضحية بماله وحياته لاسترداد وطنه حتى التحرير، واجب قومي.
المادة 8: المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني هي مرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين، ولذلك فإن التناقضات بين القوى الوطنية هي من نوع التناقضات الثانوية التي يجب أن تتوقف لصالح التناقض الأساسي فيما بين الصهيونية والاستعمار من جهة وبين الشعب العربي الفلسطيني من جهة ثانية، وعلى هذا الأساس فإن الجماهير الفلسطينية سواء من كان منها في أرض الوطن أو في المهاجر تشكل منظمات وأفرادا جبهة وطنية واحدة تعمل لاسترداد فلسطين وتحريرها بالكفاح المسلح. (انتهى المراد نقله)
وبذلك فان عرفات هو من حمى الأردن سياسيا من مؤامرة الوطن البديل، وهذا ما جعل وطنيا مؤرخا ومفكرا اردنيا مثلي، ينصف الرئيس عرفات وهو في قبره رحمه الله، لان مشروعه كان غربي النهر وليس شرقيه، وهو من أعاد للشعب الفلسطيني هويته وشرعيته ووضعه على خارطة العالم والتاريخ، وصارع من اجل تخليص القضية الفلسطينية، من سوق المتاجرة ممن ادعو الوصاية والشرعية الدينية والتاريخية والسكانية على الشعب الفلسطيني.
أدرك الرئيس عرفات منذ البداية ان شعبه ووطنه كانوا مقسمين بين اربعة عناوين ودول وأنظمة: في الأردن، وإسرائيل ومصر، والشتات مثل العراق وسوريا ولبنان وسائر اقطار الأرض، وكل يحمل هوية أخرى بديلا او مضافا لهويته الفلسطينية.
أدرك أيضا ان نصف شعبه شريد طريد، لاجئ فقير معدم، تتنازعه وحوش السياسة، وباعة الأوطان والشعوب والعملاء، وعبيد الصهيونية، ومورست عليه سائر اساليب التنكيل والاضطهاد. مما أدى بأبناء الشتات ان يقوموا بالثورة الفلسطينية التي بلغت قوتها واوجها في لبنان الى عام 1982، وهو عام الاجتياح الإسرائيلي للبنان، ونتج عنه إعادة توزيع القوة الفلسطينية الى شتات جديد، الامر الذي لم يؤدي الى تلاشي الشعب والقوة والقيادة، بل الى خلق حالة من التحدي لدى القيادة الفلسطينية، ونضوج حالة الثورة في الداخل الفلسطيني (غربي النهر) هذه المرة، فقامت الانتفاضة المباركة في فلسطين عام 1987، والتي استمرت الى عام 1990 / 1991، انتهت بالاعتراف الأميركي والإسرائيلي بالعناوين الثلاثة أعلاه.
ونتيجة لذلك صار أبناء الداخل الفلسطيني هم من يمسك بالأمور , وبذلك حقق عرفات إنجازا تاريخيا اثبت للمرة المائة انه من دهاة العرب بامتياز , اذ نقل الملف الفلسطيني من الخارج الى الداخل غربي النهر , واجهض مرة أخرى مؤامرة الوطن البديل , وابعدها من الادبيات الرسمية للفلسطينيين , وسحب البساط من تحت اقدام دعاته شرقي نهر الأردن , ممن يمارسونه فعلا ويحاربونه قولا , ويذرفون دموع التماسيح على الأردن وفلسطين وهم من يتحمل المسؤولية التاريخية تجاه ضياعهما , وبذلك انهى عرفات الصراع الاردني الفلسطيني , وسائر الخلافات البينية بين الفلسطينيين والعرب , قبل ان يوقع اتفاقية أوسلو عام 1993 , ووجه هذا الصراع وجهته الصحيحة نحو تحرير فلسطين غربي النهر وإقامة الدولة الفلسطينية على ارض فلسطين وعاصمتها القدس الشريف.
وبعودة الرئيس عرفات والقيادة الفلسطينية الى ارض فلسطين، ومعهم ثلث مليون فلسطيني، انتقل الصراع بين الفلسطينيين من جهة، وعدوهم الحقيقي وهم الإسرائيليون ومشروعهم الاستعماري وادواته في العالم العربي من جهة أخرى، ولم يعد صراعا بين الأردنيين والفلسطينيين، ولم تنجح محاولات سرّاق التاريخ في تأجيج الصراع بيننا وبينهم
ومن خلال ما ذكرنا فانه لو كان الرئيس عرفات على قيد الحياة الان، وهو يرى كما نرى من وصول واصطدام الأتصالات الفلسطينية الإسرائيلية الأميركية الى طريق مسدود، والى هذا الفشل، حينها فان عرفات لن يتوانى عن اشعال الثورة الفلسطينية لدى فلسطيني الشتات، مرة أخرى وتتغير المعادلات السياسية وموازين القوى مرة أخرى.
واما نحن في الأردن فان راس اولوياتنا هي اجهاض مؤامرة الوطن البديل والاطاحة به وبأدواته ودعاته، والفضل الأكبر في ذلك ليس لاتفاقية وادي العربة ولا لأي سياسي بالأردن، وانما للرئيس الراحل المغفور له ياسر عرفات رحمه الله، وان كل من يحب الأردن ويرفض الوطن البديل، مطالب بقراءة الفاتحة على روح الزعيم والداهية الرئيس الراحل ياسر عرفات، بدون تردد ولا ندم، وانا اول من فعلها.