تابع معظم الأردنيين ما تعرض له قاضي القضاة الدكتور أحمد هليل من إهانة بالغة من قبل المصلين في المسجد الأقصى يوم الجمعة الماضية حيث منع من إلقاء خطبة الجمعة وسمع من الكلام القاسي ربما ما لم يسمعه من قبل لا بل كانت هناك محاولات للتعرض له بالعنف لولا الحماية الكبيرة التي كانت تحيط به.
ولعل ما يكسب هذه الحادثة أهمية كبيرة هو أن السيد هليل هو قاضي القضاة في الأردن ، وهو أيضا أول وربما آخر، إمام للحضرة الهاشمية وهو جزء من وفد أردني برئاسة وزير الأوقاف . ولذلك فإن ما تعرض له هليل ليس أمرا شخصيا بقدر ما تعكسه هذه الحادثة المهينة الجسيمة من رمزية للمشهد السياسي والعلاقة الأردنية الفلسطينية.
في الجمعة التي سبقت "جمعة الهجوم على هليل" قام رئيس الشؤون الدينية التركي محمد غورماز بإلقاء خطبة الجمعة حيث لقي استقبالا واستحسانا من المصلين المقدسيين ،مما يستلزم منا أن نضع إطار ما حدث مع هليل والوفد الأردني في إطار سياسي بحت مفاده أن الفلسطينيين في الضفة الغربية ليسوا مرتاحين ولا مؤيدين للمواقف الأردنية من القدس وربما ليسوا مؤيدين للوصاية الهاشمية على الأماكن الدينية في القدس آخذين بعين اﻻعتبار بعض اﻻحداث السابقة التي قام فيها بعص المقدسيين بازالة اللوحة الحجربة التي ترمز الى اﻻعمار الهاشمي للمسجد اﻻقصى.
ما يعبر عنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس والمسئولين الفلسطينيين ربما لا يعكس المواقف الشعبية الحقيقية للفلسطينيين تحت الاحتلال. الفلسطينيون في القدس أو غيرها من مدن الضفة الغربية يدركون أن الأردن في حالة سلام مع اسرائيل منذ معاهدة وادي عربة ، وأن هناك تبادل تجاري وبضائع اسرائيلية وأردنية تنساب بين الأردن والكيان الصهيوني، كما أن هناك زيارات متبادلة ووفود رسمية بين البلدين ناهيك عن مواقف سياسية أردنية داعمة للسيسي الذي يحاصر الثوار في غزة ، وكذلك تفاهمات مع مصر واسرائيل وبعض الدول الخليجية لمحاصرة حماس والتضييق عليها وقد بدت هذه التفاهمات جلية اثناء العدوان الأخير على غزة والذي ذهب ضحيته الالاف من الفلسطينيين.
وعلى الرغم من أن السيد احمد هليل ربما لا يحظى بشعبية كبيرة في داخل بلده نظرا لاعتقاد البعض بتقربه الشديد من ولاة الأمر وربما إفراطه الشديد في المديح وإضفاء الصفة الشرعية للعلاقة السياسية بين الأردنيين وولاة أمورهم والقرارات والسلوكيات الرسمية فإننا نعتقد بأن ما تعرض له "إمام الحضرة الهاشمية" ينبغي أن يقرأ جيدا في إطار المحاور الثلاثة التالية:
أولا :سوء التخطيط والقراءة الخاطئة لوزارة الأوقاف الأردنية ودائرة قاضي القضاة ووزارة الخارجية ممثلة بوزير الخارجية اﻷغر ومكتب التمثيل اﻻردني في رام الله للاتجاهات والمشاعر الشعبية الحقيقية للمقدسيين والفلسطينيين في الضفة الغربية نحو المواقف الأردنية من الأقصى وحماية المقدسات. زيارات الوفود الرسمية للسلطة الفلسطينية ولقاءاتها بالمسؤولين الفلسطينيين والتصريحات الحميمية التي نسمعها هي في واقع الأمر في واد والمشاعر الشعبية في واد آخر . ولذلك كان على منظمي هذه الزيارة دراسة هذه الاتجاهات بشكل جيد والتنبؤ بالاحتمالات الصعبة والمهينة التي وضعت الدولة الأردنية كلها بحالة حرج خصوصا وأن أحمد هليل بما يمثله من مواقع رسمية (قاضي القضاة وإمام الحضرة الهاشمية) جعل ما تعرض له إساءة للحكومة الأردنية.
ثانيا: أن ما يتم التعبير عنه من قبل قيادات السلطة الفلسطينية وعلى رأسها السيد محمود عباس وصائب عريقات وغيرهم عن تقدير الشعب الفلسطيني في الداخل لمواقف القيادات الاردنية من القضية الفلسطينية وحماية المقدسات وغير ذلك هو ربما لا يعدو كونه تصريحات إعلامية لا تمثل الواقع على الارض ولذلك جاء ما حدث في زيارة الوفد الأردني للأقصى كرسالة تعكس المشاعر الشعبية الفلسطينية الحقيقية من المواقف الأردنية.
ثالثا: أنه وعلى ضوء الحدث المؤسف والمهين الذي تعرض له السيد أحمد هليل والانعكاسات المحرجة لذلك على الحكومة الاردنية نعتقد أن هناك ضرورة الان لقيام القيادة الأردنية باتخاذ إجراءين ضروريين :
الأول منهما هو إلغاء وظيفة أو مسمى "إمام الحضرة الهاشمية" وذلك من أجل فك الارتباط بين أي تصرف أو إهانة أو سلوك غير مرغوب يتسبب به أو يتعرض له شاغل هذه الوظيفة الشكلية وبين مكانة وهيبة العائلة الحاكمة وولي الأمر تحديدا.
وهنا أتساءل ألا تشكل إهانة وطرد إمام الحضرة الهاشمية إهانة وحرج للعائلة الحاكمة في الأردن؟؟؟. وينبغي أن نتذكر بأن وظيفة "إمام الحضرة الهاشمية "ليست ذات مضمون كبير، وليست ذات مهام كبيرة ويمكن أن يقوم أي شخص بالإمامة للصلاة التي يشارك بها ولي الأمر.
أما الأمر الثاني فإنني أعتقد بأنه ينبغي التفكير سريعا في تغيير شخص قاضي القضاة واستبداله بشخصية أخرى بسبب مضامين هذه الإساءة التي تعرضت لها مكانة القيادة الأردنية ، ولذلك ينبغي عدم التمسك بشخص الدكتور هليل ليس لأنه قام بعمل غير مناسب ولكن لإزالة الصورة الذهنية التي حملت مضامين الاحتجاج على مواقف القيادة الأردنية من الأماكن المقدسة في القدس.
أحداث الأقصى ومنع الدكتور هليل من إلقاء خطبة الجمعة والإهانة الكبيرة التي تعرض لها الوفد الأردني ينبغي أن يتم قراءتها والتحقيق فيها وفي الجهات التي خططت لها ونفذتها على اعتبار أنها كانت ليست فاشلة فقط ولكنها تسببت بإهانة سياسية بالغة وعرضت القيادة الأردنية لحرج كبير خصوصا في ظل الوصاية الأردنية على الأماكن الدينية في القدس.