العباقرة الثلاثة : أردوغان وأوغلو وفيدان

mainThumb

15-04-2015 02:18 AM

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صار قامة شامخة في التاريخ الإسلامي الحديث، وهو يمثل الحضارة العثمانية الإسلامية الحقيقة التي قامت على الايمان والجهاد والبناء والعطاء والانجاز، والتي كرست حماية هوية الامة الإسلامية وثقافتها وخلافتها لأكثر من أربعة قرون متتالية، وطرقت جيوشها أبواب أوروبا، ووصل ملاحوها سواحل الأميركتين، ورسم الاخوان برباروس العثمانيان خرائط دقيقة للسواحل الشرقية للأميركتين، عززت الخرائط التي كان عرب الاندلس رسموها قبل أكثر من ألف عام، ومن قبلهم الأردنيون الأدوميون والفينيقيون.

 
      جاء رجب طيب أردوغان من رحم المعاناة والاسر الفقيرة بالمال، الغنية بالكرامة والعزة والآمال، وهو يمثل إرادة الامة التركية من خلال الانتخاب الحر المباشر، بل ويحمل هم امته التركية والإسلامية معا، حتى شمخ من بائع بطيخ الى رئيس دولة، ستكون الأولى في اقتصاديات العالم عام 2023 بإذن الله تعالى، حسبما يخطط لها أردوغان ورفاقه في حزب العدالة والتنمية، الذي انتشل تركيا من الحطام والركام الى قمة المجد والهيبة والقوة والمنعة والشوكة.
 
     يقول أردوغان واصفا نفسه مدشنا مرحلة جديدة في مسار تركيا الحديثة والاسلام السياسي: "لم أتغير؛ ولكنني تطورت “-- وبذلك سلك طريقا وسطاً بين ثنائية العلمانية من جهة، والإسلام من جهة اخرى، عُرف بتيار "الاردوغانية".
 
  لم يولد أردوغان وفي فمه ملعقة من الذهب بل انه يقول عن نفسه في مناظرة تلفزيونية مع دنيز بايكال رئيس الحزب الجمهوري ما نصه: (لم يكن أمامي غير بيع البطيخ والسميط في مرحلتي الابتدائية والإعدادية؛ كي أستطيع معاونة والدي وتوفير قسم من مصروفات تعليمي؛ فقد كان والدي فقيرًا)، وبذلك اثبت ان الفقر ليس عيبا، بل دافع قوي للتألق والسمو والشموخ، فمن يأتي من رحم المعاناة يبني ويشيد، ومن يأتي من رحم العبثية يهدم وينشر الخراب والدمار وان تغلف بأكذوبة البناء والخدمة.
 
  لقد استطاع أردوغان وصحبه الكرام من النهوض بتركيا خلال عشر سنوات الى سنام المجد والبناء والعطاء الذي كان في غابر الأيام، وبقي كثير ممن يحسبون انهم يحسنون صنعا وانهم ورثة مجد زائف، أقول بقوا اوهن من بيت العنكبوت.
 
ولد أردوغان في 1954 في إسطنبول، ونشأ في أسرة فقيرة، ودرس في مدارس "إمام خطيب" الدينية (الكتاتيب) ثم في كلية الاقتصاد والأعمال في جامعة مرمرة. وانضم الى حزب السلامة الوطني ومن ثم الى حزب الرفاه وانتهاء بحزب الفضيلة، هذه الأحزاب التي كانت تدين بالولاء لنجم الدين أربكان. وأصبح رئيسا لبلدية إسطنبول، حيث عمل على تحسين المستوى المعيشي والخدمي والأمني لسكان المدينة ومن هناك سطع نجمه وتألقت شعبيته.
 
      تزوج من السيدة الفاضلة امينة، وهي مسلمة سنية محتشمة ملتزمة، تربت على الاخلاق والذوق والرقي والادب، ولبست ثوب الوقار والحياء والصمت الأكثر بلاغة من الكلام والسفور، وساندت زوجها في مختلف الصعوبات التي واجهته، وولدت له أولادا ربتهم على الأخلاق الإسلامية. وابتعثت بناتها للدراسة في الخارج في جامعات أمريكية بسبب منع الحجاب في المدارس التركية قبل تولي زوجها السّيّد رجب طيّب أردوغان منصب رئاسة الوزراء، وإلغاء حظر الحجاب الى غير رجعة.
 
وان دموعها على ماحل بمسلمي الروهينغيا في بورما المضطهدين , عندما زارتهم ضمن وفد برئاسة وزير الخارجية احمد داود أوغلو آنذاك , زادتها وقارا وسموا وجلالا واجلالا , حيث لم تتوقف عن البكاء طيلة الزيارة التي قادتها إلى هناك, وتفقدت بمعية وزير  الخارجية أطفال المسلمين في تلك الديار  , وهذا موثق بالصوت والصورة في الانترنت ،كما انها لا تتدخل بشؤن الدولة ولا بالقرارات السياسية , وانما هي عون لزوجها , فأصبحت ينطبق عليها بجدارة المثل القائل  : وراء كل عظيم امرأة, انها سيدة تشكل قدوة حسنة للمرأة المسلمة بالفعل لا بالقول   .
 
 وكما هو شان العظماء والابطال التاريخيين تعرض أردوغان للسجن عام 1998 بسبب استشهاده بأبيات لأحد الشعراء الأتراك واتهم بسببها بالتحريض على الكراهية الدينية، كما تم منعه من العمل في الوظائف الحكومية ومنها الترشيح للانتخابات العامة بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري يقول فيه:
مساجدنا ثكناتنا                 قبابنا خوذاتنا                   
مآذننا حرابنا                    والمصلون جنودنا            
هذا الجيش المقدس         يحرس ديننا      
                                       
 قام أردوغان ومعه عبد الله غول ونخبة من عمالقة تركيا، بتأسيس حزب العدالة والتنمية عام 2001، معلنا انه سيحافظ على أسس النظام الجمهوري العلماني، ولن يدخل في مماحكات مع القوات المسلحة التركية، وقال "سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا).
 
خاض حزبه الانتخابات التشريعية عام 2002 وحصل على 363 نائبا مشكلا بذلك أغلبية ساحقة. ورغم انه كان رئيسا للحزب الا انه لم يستطع ترؤس الحكومة بسبب قيده (السجن)، فأوكل المهمة الى رفيقه عبد الله غول. وبعد عام تم اسقاط الحكم القضائي عنه وتراس الحكومة عام 2003.
 
  عمل بعدها على الاستقرار والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وتصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي، ومع اليونان، والاكراد، وفتح جسورا مع أذربيجان وبقية الجمهوريات السوفيتية السابقة الناطقة بالتركية، وأرسى تعاونا مع العراق وسوريا وفتح الحدود مع عدد من الدول العربية، ورفع تأشيرة الدخول، وفتح الأبواب: اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا مع عدد من البلدان العالمية، وأصبحت مدينة إسطنبول العاصمة الثقافية الأوروبية عام 2009.
 
     كما أعاد لمدن وقرى الأكراد أسماءها الكردية بعدما كان ذلك محظورا، وسمح رسميا بالخطبة باللغة الكردية في المناطق الكردية، وسمح لهم بالفضائيات والاذاعات والصحف الناطقة والحديث بلغتهم، وحاور عبد الله اوجلان زعيم الاكراد في تركيا فحول الأقصاء الى احتواء، وقبل الجميع بالسلم الأهلي وبدا الجميع يبنون تركيا العظيمة الحديثة القائمة على التنوع والاثراء والانتماء.
 
 كان موقفه حازما تجاه إسرائيل ودعم القضية الفلسطينية وغزة وحماس ومطالب العرب بالحرية والديموقراطية والعدالة، وارتفعت شعبيته ولا زالت عند الشعوب العربية والإسلامية، وصار السيد رجب طيب أردوغان، وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وسمو الأمير تميم بن حمد ال ثاني امير قطر، مثلث العبقرية العربي الإسلامي، والزعامات المحبوبة بكل احترام واعجاب عند العرب والمسلمين.
 
    وهم حفظهم الله ورعاهم، معقد رجاء الامة الإسلامية من اهل السنة، وكلما ازداد التقارب بينهم كلما ارتاح وفرح المسلمون السنة. فهؤلاء القادة الثلاثة اطال الله في أعمارهم رمز للصدقية والإخلاص وحمل هموم الامة، وهم متقدمون على من سواهم.
 
       أردوغان وجه صفعة قوية لإسرائيل   وجعلها تعتذر عن ضربها لسفينة مرمره المتوجهة إلى غزة واشترط في قبول الاعتذار أن يرفع الحصار عن غزة. وفي المنتدى الاقتصادي دافوس 2009، وجه انتقادا لاذعا للحضور (وبخاصة العرب) الذين صفقوا لكلمة بيريز الذي برر فيها الحرب الصهيونية على غزة، وخرج غاضبا بعد أن قال للحضور (عار عليكم أن تصفقوا لمن قتل آلاف الأطفال والنساء في غزة).
 
   هذا الرجل العظيم الرئيس رجب طيب أردوغان عمل ما عجز عنه حكام كثيرون من حكام العالم، حيث جلس مع طفلة بعمر الـ 12 في مناظرة تلفزيونية نقلتها وسائل الإعلام على الهواء وتحدثا عن مستقبل تركيا بنديّة، واحترم ذكاءها واندفاعها واستقبل الطفلة الفلسطينية التي تمردت على جنود الصهاينة، ولم يستقبلها غيره من الرؤساء العرب.
 
   أردوغان   اول رئيس تركي ينتخب عن طريق الاقتراع المباشر، وقد فاز منذ الجولة الاولى متغلبا على منافسيه، ومؤكدا على شعبيته التي لم تتغير رغم الاحتجاجات المفتعلة ضده في ميدان تقسيم، والتي واجهها بما تستحق من الحزم، لأنها لم تكن في مصلحة الامة التركية والإسلامية.
 
   وقد فتح المجال لاستعادة الحرف العثماني العربي الى اللغة التركية وكرس حرية العبادة واللباس ونهض ببلده نهضة عجزت عنها اية دولة أوروبية او أمريكية. ورفض أن تخلع ابنته وزوجته المصون الحجاب، وهو القائد المسلم الوحيد الذي زار بورما هو وزوجته ويلتقي أهالي إقليم ميانمار المنكوب. وزار الصومال مرتين او أكثر، كما أعاد تدريس القرآن والحديث النبوي إلى المدارس الحكومية بعد تسعة عقود من الحكم العلماني.
 
     يقوم الحكم الان في تركيا على ثلاثة من العباقرة : الرئيس رجب طيب أردوغان الحازم القوي الأمين المفكر الملهم للحزب والدولة والأمة , ورئيس الوزراء احمد داود أوغلو المفكر الداهية المنفذ بدقة وحكمة ودهاء ومرونة وذكاء , وهو أستاذ الجامعة ومؤلف لعدة كتب , ويتكلم العربية جيدا كما أردوغان , واما العمود الثالث فهو  مدير جهاز الاستخبارات التركية هاكان فيدان الذي يشكل أداة التنفيذ الذكية الكتومة المخلصة , فهو اقوى واذكى وادق رجل مخابرات في العالم الان لا يحب الاعلام ويحارب الفساد , وهو بئر اسرار أردوغان والصندوق الأسود لتركيا وهو الرجل الغامض بالنسبة للأخرين , طور المخابرات التركية حتى صارت الان رابع  اقوى مخابرات في العالم بعد الألمانية والأمريكية والبريطانية ,على التوالي ,  وتأتي الموساد خامس اقوى جهاز مخابرات في العالم , وان حقان او هاكان فيدان رجل يتوقد ذكاء ومحبة لبلده واخلاصا لوطنه وللرئيس أردوغان . وبذلك شكل هؤلاء العباقرة الثلاثة مرتكزات نهضة تركيا الحديثة، في عمل متناغم متجانس همهم مجد تركيا وبناءها، ليس منهم فاسد ولا جاحد ولا يسمح أي منهم بالفساد.
 
       وإذا أردنا ان نعرف ماذا حقق الرئيس أردوغان وحزبه، فإننا لا نستطيع وصفه في مقال وانما نذكر ومضات قليلة جدا، حيث تم تسديد ديون تركيا وتحولت الى دائن للبنك الدولي، وعندما سئل كيف سددت ديون بلادك البلغة 47 مليار دولار في هذه المدة القصيرة: قال: لم اسرق ولم اسمح بالسرقة. وبذلك بلغ ناتجها القومي عام 2013 ترليون ومائة مليار دولار، أي ما يساوي مجموع الناتج المحلي لأقوى اقتصاديات ثلاث دول في الشرق الأوسط إيران السعودية والإمارات فضلا عن الأردن وسوريا ولبنان، وبذلك قفز بتركيا من المركز الاقتصادي 111 إلى 16 بمعدل عشر درجات سنويا، وقد حدد أردوغان عام 2023 لتصبح تركيا القوة الاقتصادية والسياسية الأولى في العالم.
 
    وفي عشر سنوات زرعت تركيا زمن أردوغان ثلاثة مليارات شجرة حرجية ومثمرة، وصنعت أول دبابة وأول طائرة بدون طيار وأول قمر صناعي عسكري، وبنيت 125 جامعه جديدة و510 مستشفيات، وامر أردوغان بمجانية التعليم الجامعي لشعبه. وارتفعت الرواتب بنسبة 300% وانخفضت نسبة البطالة من 38% إلى 2%  ., وفاقت فيها  ميزانية التعليم والصحة على ميزانية الدفاع   وأعطي المعلم راتبا يوازي راتب الطبيب.
 
 كانت صادراتها قبل عشر سنوات 23 مليار أصبحت 153 مليار، كما تمت انارة أكبر جسر معلق في العالم على شواطئ البحر الأسود بأضخم إنارة تضمّ حروف (البسملة) في رأس السنة في حين كانت إحدى الدول العربية (المسلمة) تصنع أكبر شجرة عيد ميلاد (كريسماس) في العالم بتكلفة 40 مليون دولار).
 
هذا غيض من فيض مما حققه فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان لامته ومثلث العبقرية التركية معه، ووضعها على خارطة العالم في مكانها ومكانتها التي تليق بها تحت الشمس. ومثل هذه الإنجازات تعتبر قدوة حسنة يتوجب علينا اطلاع الناس عليها. 


تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد