هدر المال في شراء المواقف

mainThumb

11-04-2015 09:16 PM

كشف خبير مالي شغل مناصب مالية وبنكية رئيسة في الاتحاد السوفياتي السابق,في برنامج تلفزيوني (RT),أن الحكومة السعودية دفعت للحكومة السوفياتية خلال أزمة حرب الخليج الأولى المبيتة أميركيا وصهيونيا لضرب العراق التي تهافتت عليها دول الغرب وبعض العرب بزعامة الإدارة الأميركية,أربعة مليار دولار مقابل أن لا يقدم الاتحاد السوفياتي أي دعم سياسي أو عسكري أو مادي للعراق,وكان يحكم الاتحاد السوفياتي في ذلك الزمان السيد غورباتشوف وبطانته حيث أدت سياساته (تحت شعار الغلاسنوست) إلى تفكيك الاتحاد السوفياتي ونهاية الحكم الشيوعي في منظومة حلف وارسو  الذي استمر أكثر من سبعين سنة، وأودى بأحلام الماركسية ودور العمال وتوحدهم حول شعارات أممية والمسار الذي يقود إلى(مجتمع اللاحكومة).

وهكذا وجدت الولايات المتحدة الأميركية نفسها قوة منفردة في القوى العسكرية والاقتصادية ومتفردة في التأثير بالتدخل في سياسات الدول الأخرى وفي مصادر ثرواتها وفي تنمية اقتصاداتها,وفرض رؤاها السياسية على الأحداث الدولية وعلى قضايا الشعوب والدول المحلية منها والإقليمية والضغط المباشر,المحمول على التهديد بالقوة العسكرية وأو الاقتصادية وممارسة الضغوط بغرض تحقيق مصالحها دون تردد أو مقاومة تذكر لرغبات الهيمنة الجارفة للسلوك السياسي الأميركي على أمم الأرض وشعوبها.

في مجال آخر, وفي بلد عربي آخر,يد أخرى مدها أمير قطر السابق إلى سوريا واعدا بتقديم ما لا يقل عن خمسة عشر مليار دولار خلال عدة سنوات على أن تقطع سوريا حبال التواصل مع إيران ومع المقاومة الإسلامية التي يقودها حزب الله في لبنان وبعض القوى الفلسطينية,وهي جزء من طلبات قدمها وزير خارجية أميركا في ذلك الوقت إلى الحكومة السورية مهددا ومحذرا,كما هو العهد بالطلبات الأميركية من الدول وذلك باعتماد لي الذراع كما صرح بذلك الرئيس الأميركي أوباما, وقد هدد وزير الخارجية الأميركية سوريا بأن عدم الإلتزام بتنفيذ هذه الطلبات سيلحق الضرر بسوريا,وهكذا كان.


ومما كان أن (الربيع العربي) الذي جاء به العام 2011 الذي نثرت فيه  مئات مليارات دولارات البترول الخليجي في ليبيا وفي تونس وفي سوريا وفي اليمن وفي مصر لتثمر الدمار الممنهج وتفكيك الدول الممرحل وأدى إلى تقاتل العشائر والأقوام,وتصارع جماعات الأسلام السياسي على المغانم ونشر الفوضى وفتح الباب على مصراعيه للنهب والسلب والتهجير....,وتدمير التراث الحضاري حيثما وجدت آثاره,وتعميم الخصومات المميتة بين المواطنين في المجتمع الواحد,وسفك الدماء على الهوية الدينية والانتماءات الطائفية والعرقية.

وعلى الرغم من عظم تأثير المال على النفس البشرية وعلى شراء المواد المختلفة وامتلاك ما تراه العين وما تشتهيه النفس,فإن المال ,وعلى وجه الخصوص المال السياسي يشتري كذلك الضمائر اللينة,للنفوس الضعيفة التي لم تكتسب مناعة الكرامة الذاتية وضعفت نفوسها.فقد ازدهرت تجارة (جماعات ) المقاتلين المرتزقة,وفرقهم  الذين كان الحديث عنهم قصصا من الماضي,فإذا بهم في هذا الزمن يتلهفون على  بيع مهاراتهم وعلى خدمة أسيادهم بإدارة الحروب المحلية,ويشكلون التنظيمات الإرهابية,والجماعات الطامعة في السلطة المعادية للحرية وللديمقراطية التي سرعان ما استقلت عن مواقف مموليها وأغراضهم وأرغمتهم على الدفع لها مقابل عدم تعرض بلادهم لوبائها وشرورها.

ظن بعض الساسة العرب الذين تحرضهم عواصم الغرب وتدعم تغذية الخلافات العربية العربية,وتصريحات أردوغان المتناقضة والوهمية (التي تذكرنا بأساليب المرحوم القذافي),أن وفرة المال الذي يتصرفون بكمياته الكبيرة  بالبعثرة والترف والبهورة دون رقيب أو حسيب (لا برلمان ولا معارضة ولا محاسبة ولا رقابة شعبية أو رقابة حزبية ..... ),يمكن أن يبتاعون به أمنهم,ويمكن أن يستوردون به أدوات سلامتهم من ارتداد نيران الإرهاب وأطماع الإرهابيين بالسيطرة على مصادر الثروة .منها البترولية بشكل خاص.

ولم تستوعب عقلياتهم السياسية أن الغرب لم يعد يؤجر قواته حتى في القواعد التي يحتلون بها أراضيهم والقواعد الجوية المسيطرة على أجوائهم للدفاع عن وجودهم.ولم تدرك حواسهم الوطنية,التجارب التي تمر بها الدول كلها بما فيها دول الجوار من استغلال ثرواتها المحدودة بالمقارنة مع ثرواتهم,لبناء دولهم لتصبح كل منها دولة قوية علميا وعسكريا واقتصاديا,تحمي مصالحها وتقف بندية في مواجهة خصومها وأعدائها,توطن التنمية البشرية والتقنية والإبداعية,وتعمق استقلالها السياسي,تجذر استقلال قراراتها في مختلف الميادين,وتعزز ولاء مواطنيها وتثير حماسهم للدفاع عن أوطانهم وعن مصالح بلادهم  بقواهم الذاتية دون استجداء عطف القوة العسكرية من هذا البلد أو ذاك,أوالدعم من قوات هذا البلد أو ذاك,فالبنية القوية هي بالضرورة بنية وطنية خالصة دون حاجة ملحة إلى قوات من غير أبنائها من هذا البلد أو ذاك,والتحالفات مع القوى الآخرى,موجودة ولكنها  تأتي عادة  بمرحلة تالية وليست سابقة للدفاع عن الوطن ومصالحه.,ودون التودد لبناء تحالفات ظرفية,سرعان ما ينفرط عقدها بمواجهة من الخصوم أو الأعداء.

لعل ما حملته الحرب المستهدفة تدمير بنى اليمن وقواه الذاتية من مواقف للدول التي نشأت نشأة طبيعية,وتديرها نظم حكم تتعاطى بالحدود الدنيا للديمقراطية,كما فعلت باكستان في رفضها إرسال قوات عسكرية للمشاركة في العدوان على اليمن,تشكل صدمة لسياسات مجلس التعاون الخليجي,صدمة من المؤمل أن تصحو منها على أهمية تعزيز القدرة الذاتية على تأمين الأساس المتين للحماية الذاتية,وأن المال السياسي قد تجني منه مواقف ظرفية (المراهنة غير المضمونة على دعم مصر الدائم لمثل تلك الحروب,وإحجام مصر عن إرسال قوات للغزو البري لليمن),من قوى أو دول مستقلة,لا تغامر باستفلالها و مؤثرة في إقليمها, وأن المال السياسي الذي يدعم جماعات مسلحة وتحريضها على القتل والتخريب في دول عربية أخرى هو إثم تاريخي وجرح في القيم العربية ليس من السهل أن تبرأ منه القوى والنظم التي تبذله لآغراضها الانتقامية وتهدئة أحقادها وعدائيتها المبطنة.

ولعلنا لا نمررما قاله الرئيس الأميركي باراك أوباما حول إصرار بعض النظم على ضرورة أن تضرب القوى الأجنبية سوريا لتفعل بها ما فعلته بليبيا  هكذا دون تذكير عندما قال ما مفاده :لماذا يطلبون منا ضرب سوريا ولا يقومنون هم بذلك؟ وها هم يقومون بذلك في اليمن,عملاً بمبدأ الاستقواء على الضعيف ,ومع ذلك يستنجدون بقوى من أطراف أخرى ولكن هذه القوى تدرك أن التدخل في اليمن مجازفة غير محسوبة النتائج,وليست فعلاً محمودا  أصلاً.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد