جدل في المغرب حول تشريع الاجهاض

mainThumb

08-04-2015 10:02 AM

السوسنة - نهاد الزبير :

 عرفت الأشهر الأخيرة إحتدام النقاش العمومي الدائر بالمغرب حول شرعنة اللجوء إلى الإجهاض في حالات معينة، من أجل الإنهاء مع عمليات الإجهاض السري التي تجري في مؤسسات طبية أو غير طبية بعيدا عن أنظار القانون و في ظروف مزرية.

و يبدو، بعد الكثير من الأخذ و الرد، أن مهمة بناء توافق حول هذا المشروع صارت شبه مستحيلة. مطالبة الجمعيات الحقوقية و النسائية، المجسدة في تحالف "ربيع الكرامة"، بجعل أمر الإجهاض مقرونا بإرادة المرأة الحامل لوحدها دون سواها، مطلب لقي معارضة قوية من لدن المرجعيات المحافظة.

تحالف "ربيع الكرامة" يطالب بإخراج الإجهاض الطبي من دائرة التجريم الجنائي لتجاوز التداعيات المترتبة عن ممارسات إيقاف الحمل خارج نطاق الإشراف الطبي التي تودي بحياة العديد من النساء. كما يشدد على ضرورة الإحتكام إلى الإتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب و توصيات منظمة الصحة العالمية.

من جهته، دعا الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر، إلى مراجعة مقتضيات القانون الجنائي حول الإجهاض السري، في أفق إرساء "تشريع عقلاني في معالجة موضوع الإجهاض السري، و عدم الإنصياع وراء الخطاب المحافظ الجاف، القائم على الإجترار السطحي للمرجعية الإسلامية، في إختلاف تام مع الإجتهادات الرائدة لفقهائنا و علمائنا المتنورين في ميادين ومجالات مختلفة".

و طالب القيادي الإشتراكي بالخروج من عباءة "الوصايا الثقافية و المزايدات السياسية التي لا فائدة منها" محذرا من عواقب الإستمرار في ممارسة الإجهاض السري الذي يفتك بأربعة و أربعين ألف إمرأة سنويا في مختلف أنحاء العالم، حسب منظمة الصحة العالمية، في وقت يشهد فيه المغرب إجراء أكثر من ثمانمائة حالة إجهاض سري يوميا، حسب بعض الإحصائيات الغير رسمية.

في المقابل، نشر الفقيه أحمد الريسوني، أحد أشهر المراجع الشرعية في المغرب، مقالا على صفحته على الفيسبوك بعنوان  : "الإجهاضيون الجنسانيون.. إلى أين هم ذاهبون ؟" إنتقد فيه بشدة دعاة الإجهاض و "جهادييه" من منطلق أنه "لا يشكل الإجهاض عندهم إلا حلقة و محطة من مسلسل طويل عريض، ضمن رؤية تستهدف تحرير الإنسان و طاقاته الجنسية من سلطان الدين ؛ أي الوصول في النهاية إلى إنسان بلا دين، و ممارسة جنسية بلا حدود و لا قيود".

و قال العلامة المغربي أن الهدف الحالي لهؤلاء الحداثيين هو حذف الفصل 449 و الفصول التفصيلية التابعة له من القانون الجنائي الناصة على أن "من أجهض أو حاول إجهاض إمرأة حبلى، أو يظن أنها كذلك، برضاها أو بدونه… يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات. و إذا نتج عن ذلك موتها، فعقوبته السجن من عشر إلى عشرين سنة".

وحذر الفقيه الإسلامي من أن دعاة الحداثة إذا نجحوا كليا أو جزئيا في معركتهم ضد الفصل 449، "فسيحولون نيرانهم صوب عدو أكبر منه، سبق لهم معه عدة مناوشات، و أصدروا في حقه عدة تهديدات. و هو الفصل 490 الذي ينص على أن كل علاقة جنسية بين رجل و إمرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد، و يعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة. فهذا الفصل المتطرف لا معنى له و لا مكان له في منظومتهم الحقوقية الحداثية".

و خلص الريسوني إلى أن "فلسفة الإجهاضيين الجنسانيين التي يعلنونها دوما هي : أن كل علاقة جنسية رضائية فهي مشروعة، و لا ينبغي لأحد أن يعكرها أو يضيق عليها، لأن كل واحد حر التصرف في جسده". و ختم بالقول "بعبارة أخرى : الإجهاضيون يسعون إلى تحرير الفروج و تعطيل الأرحام، و الإسلاميون يسعون إلى تحصين الفروج و تشغيل الأرحام".

من جانبه أكد العلامة المغربي البارز مصطفى بنحمزة على أنه "لا يجوز التصرف في حياة الجنين إلا إذا كان يشكل خطرا حقيقيا على صحة الأم و يحرم إجهاضه لمجرد الرغبة في إخفاء الحمل أو تحت ذريعة وجود تشوهات خلقية قد تكون في بعض الأحيان بسيطة أو لكون الحمل ناتج عن زنا المحارم، لأنه لا يحق تحميل الجنين أثر فعل لا يد له فيه".

أما سعد الدين العثماني، القيادي بحزب العدالة و التنمية الذي يترأس الحكومة في المغرب، فقد جدد مؤخرا دعواته لتقنين عمليات الإجهاض في البلاد. رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة و التنمية دعا إلى السماح قانونيا بالإجهاض في حالات يعتبر المنع فيها إجحافا و إضرارا بالمرأة و المجتمع.

و حدد سعد الدين العثماني الحالات التي تستوجب إباحة إجراء عمليات الإجهاض في الإغتصاب و زنا المحارم و المرض العقلي الشديد و التشوهات الخلقية و الأمراض الجينية. و طمأن الأصوات المعارضة لمقاربته بالقول "أيا كان التعديل الذي سيدخل إلى القانون الجنائي، فإنه سيكون في إطار الشريعة الإسلامية، و هذا هو الضابط الأساس".

و ذهب المفكر الإسلامي المغربي كمال ازنيدر إلى حد المطالبة بعدم تجريم الإجهاض بصفة قطعية. في تدوينة مطولة على صفحته بالفيسبوك، مؤلف كتاب "الإسلام، أجمل ديانة في العالم" أكد على أنه مع تجريم و معاقبة الزنا، و ضد منع و عقاب الإجهاض.

و جاء في تدوينة كمال ازنيدر "الفتيات و النساء، لا يجوز منعهن إذا إخترن الإجهاض. الزانيات منهن، يحق لنا إقامة الحد عليهن أو إنزال عقاب آخر عليهن. لكن لا يحق لنا منعهن من حقهن في التخلص من جنين هن غير راغبات فيه".

و أضاف "كمسلمين، علينا توعيتهن بأن الإجهاض لا يطيل في العمر و لا يغير الأقدار و أن الله إذا قدر شيئا يقول له {كن، فيكون}. كدعاة إسلام، فنحن مطالبون بتذكيرهن بأنه لا يحق لمسلمة إجهاض جنين خشية إملاق و بالتوضيح لهن بأن الإجهاض قد يكون من مسببات القدر (موت الجنين) لكنه لن يكون رادعا له (مانع لولادة مقدرة)".

و ختم كمال ازنيدر تدوينته بالقول "إذا إقتنعن بكلامنا، فتبارك الله ! و إذا لم يقتنعن و أصرين على الإجهاض، فما على الرسول إلا البلاغ المبين... أمام إصرارهن و تشبتهن بما سولت لهن أنفسهن، فما علينا سوى إحترام قرارهن و السماح لهن بتنفيذ رغبتهن".

و في سياق مداخلته في يوم دراسي حول الإجهاض نظمه الفريق الاشتراكي في مجلس النواب، قدم أستاذ علم الإجتماع عبد الصمد الديالمي مجموعة من الأرقام تظهر أن خطر الموت المرتبط بالإجهاض يرتفع كلما كان الإجهاض ممنوعا و مجرما، و على أن التجريم لا يؤدي إلى تقليص حالات الإجهاض بقدر ما يؤدي إلى حدوثه في ظروف سيئة غير سليمة و خطرة على صحة المرأة الحامل و على حياتها.

كما بين عبد الصمد الديالمي أن تحريم الإجهاض منذ الحمل لا يوجد إلا عند المالكية. و تسائل عن سبب تغييب المذاهب الفقهية السنية الأخرى عند التطرق لمشكل الإجهاض، و هي مذاهب سنية تبيح الإجهاض إلى حدود نهاية الأربعين يوما بعد الحمل، أي قبل التخلق في نظر الشافعية و الحنبلية، أو إلى نهاية الشهر الرابع قبل نفخ الروح عند الحنفية، مؤكدا على أن حصر موقف الإسلام من الإجهاض في ما جاء به مذهب المالكيين لا يستقيم علميا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد