(2011 – 2015 ) حراكات خارج منطق التاريخ -1

mainThumb

17-01-2015 08:08 PM

على الرغم من قِصر الفترة الواقعة بين 2011-2015, في العرف الزمني,وفي موروثات التاريخ في حياة الشعوب والأمم, بما يحمله من سجلات لمرحلة من الوقائع التي مرت بها عدة أقطار عربية في المغرب والمشرق العربيين,حملت معها أحداثاً جساماً كانت مطابقة في اصفاف أطرافها لما حذرت منه قوى التنوير العربية منذ مراحل الإعداد لاحتلال العراق وتدميره,عبرت عنها مقولة أكلت يوم أكل الثور الأبيض.

 تمثل أحداث هذه المرحلة القصيرة  نقلات انقلابية  في اتجاهاتها ومراهناتها وفي مفاهيمها وأفكارها وفي مفاجأتها الارتدادية على أنبل القيم الوطنية وما تتالى عليه تراثها, ليس على واقع الأمة السياسي والفكري والعقائدي,وإنما تعدته ,بما لم يكن متوقعاً,إلى المس بأبسط المبادئ الوطنية,إضافة إلى مواقف كان من غرابتها أنْ عكست اتجاه مواقف العلاقة العدائية بين العرب وبين القوى الاستعمارية لما ألحقته بالأمة من مآس وتجزئة وهيمنة على المنطقة,وإقامة القواعد العسكرية في أراضيها وبحارها,وأقامت كياناً عنصرياً مغتصباً لأرض فلسطين تدعمه في كل اعتداءاته وتحمي ظهره سياسياً وتنفق عليه اقتصادياً ومالياً بسخاء,ليمثل مركز السيطرة على التحركات الوطنية والقومية الساعية لنيل الاستقلال والتحرر.ليأخذ الاتجاه الجديد تجنيد علني وبعضه طوعي وآخر نفعي ,قوى سياسية,وتحمعات شبابية وعسكرية عربية وثروات عربية لخدمة الأعداء التقليديين للمستقبل العربي ولمصيره.

فكان أنْ شهدت تلك الفترة انكشاف العلاقة  القسرية المصيرية التبعية بين بعض النظم العربية وبين مراكز الهيمنة الأنجلو – أميركية,والمجاهرة بها,دون مراعاة لمبادئ المشروعية القومية,أو حُسن الجوار في أدنى مستويات العلاقات بين الدول التي لا تربطها سوى علاقة الجوار,إنكشافاً تاماً وعرّت بوضوح علانيتها بكل ما فيها من ارتباطات تهيمن فيها أحد طرفيها على الآخر,في إعلان الحرب على العراق الذي التزم سياسات التحرير بكل مواقعه وبكافة أشكاله.

وفي هذا السياق,تحقق ما حذرت منه صيحات الوطنيين الشرفاء المخلصين من العرب سياسيين ومفكرين ومواطنين, من أن أخطار هذا التواطؤ ليست بنت وقتها وليست آنية في نتائجها الكارثية على أبسط صيغ التضامن العربي وأكثرها ليونة وضعف وإنما لها انعكاساتها المستقبلية على مصيره,لم تتحرج القوى المتواطئة من مساندة الزعامات السياسية وقياداتها والنظم العربية  الغربي – الأميركي – الصهيوني – بعض العرب,بمساندتها السافرة للعدوان المبرر بالأكاذيب والافتراءات على العراق مساندة عسكرية ولوجستية ومالية, وكان العراق يمثل في ذلك الحين نظام مواجهة للمطامع الغربية الصهيونية وداعم حركة تحرير الأرض المغتصبة في فلسطين وبعض الأراضي العربية, بدافع عقائدي وطني مخلص ومتفان في إخلاصه لقضية  تحرير الأرض والإنسان, كانوا,أي الوطنيين والحريصين على أمن وطنهم ومصالحه, يحذرون من أن ذلك التواطؤ يشكل البداية لمصير قومي عربي حزين ومؤلم انساقت إليه عدد من النظم القائمة وأحزاب سياسية لها تاريخ طويل من العمل تحت شعارات التحرير والتحرر من ربقة الاستعمار الأنجلو- أميركي,وهي أحزاب وتجمعات وحركات  دينية وعلمانية وشيوعية  وتجمعات شوفينية بدا إنها تحمل أثقالاً من الحقد,وأطماعاً أعمت بصائرها في السلطة بغض النظر عن الثمن الذي يستدعيه ذلك على تاريخها السياسي وعلى طروحاتها المعادية للغرب خطاباً حماسياً الملتقية معه في تحقيق غاياته بواسطتها والمنضبطة في حراكها مع الإيقاع الذي تعزف عليه قوى الاستعمار.

سوف لن تفلت من ذلك المصير الحزين تلك الزعامات وغيرها من الدول العربية مستقلة السيادة الوطنية,متحررة الإرادة الشعبية.

لقد جلب التواطؤ المشين معه بذور تهشيم علاقات القوى العربية,وتقزيم دورها في قراراتها السيادية,وتسخيرها لخدمة كامل التغيرات الهادفة إلى الوصول إلى أهداف الصهيونية في التوسع والسيطرة المباشرة على إعادة تشكيل الهياكل السياسية والبنوية لكل قطر من الأقطار العربية,وتقريب الصهيونية من تحقيق حلم إخضاع المنطقة وشعوبها من (الفرات إلى النيل ).


ولا مناص من التذكير,بأن  التاريخ لا يعيد نفسه بالمطابقة ولا تتكرر وقائعه بالمشابهة,وإنما تأخذ الأحداث التاريخية مجراها بحكم اقتضته طبيعة الصراع بين الفرد والفرد وبين قوم وقوم وبين أمة وأمة ,وحملته الذاكرة الوطنية ووضعته كمقدمة لحديث التاريخ.

والصراع طاقة حية تتوقد شعلتها بامتلاك وسائل القوة وتوافر شروط القدرة على إدارة الصراع والحفاظ على مكتسباته خاصة تلك الصراعات التي غلبت فيها القوة المادية الإرادة الشعبية,واستغل فيها القوي الضعف ,لتولد في ضميرها  لعنة إسمها لعنة التاريخ التي لا تنسخها معاهدات ولا تقف حائلاً أما تفجرها المستقبلي اتفاقيات بين أطرافها.

ولعنة التاريخ لا تغفو من ذاكرة المتضررين بأحداثها وإن بدت مغمضة العينين للناظر إليها,ناعمة الملمس لم يتحسسها ,ولابد ,كما تُحدثنا به أحداث التاريخ وحوادثه ,من أن تستعيد مجرى الأحداث بين أطرافها وحلفائهم فهي محفز على الثأر والانتقام وتظل مشكّلة لفجوة يصعب ردمها في الكرامة الوطنية وفي كرامة الفرد الشخصية,لتقود إلى أحداث تحمل معها ذكريات الماضي .

فلم يغفل التاريخ,على سبيل المثال عن إهانة لحقت بألمانيا في الحرب العالمية الأولى لتفجر لعنتها حربا أشد قساوة وأكثر دماراً وتقتيلاً وبؤساً, في الحرب العالمية الثانية.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

لا يمكن اضافة تعليق جديد