ما كان لي أن أقرأ كتابا رائعا كهذا الذي بين يدينا اليوم دونما أن أكتب عنه وأعطيه حقه قدر ما أمكن. كتابنا اليوم لمؤلفه د. ساجد العبدلي، وهو طبيب بشري كويتي متخصص في مجال الطب المهني والبيئي، وفي نفس الوقت مدرب محترف في التنمية البشرية، وهو أيضا كاتب وناشط في المجال الإلكتروني. وكتابه الجميل كان تحت عنوان
"كلمة وكلمتين (تأملات وأفكار حول جوهر النجاح والسعادة في الحياة)"
لقد توّج المؤلف غلاف كتابه بجملةٍ تُلخّص برأيي جُلّ الكِتاب بما فيه من أفكار هادفة، وتأملات عميقة ومستفيضة، قائلا: "صحيح بأنك لن تعيش حياتك إلا مرة واحدة، ولكن مرة واحدة تكفيك جداً إن أنت أحسنت صُنعا".
هكذا كانت بدايتي مع هذا العمل، والذي جمعه المؤلف بين دفتي كتاب سرد فيه بعض تجاربه الشخصية التي عايشها بنفسه أو استخلصها من تجارب الآخرين. وأقل ما يمكن قوله أن د. ساجد حاول أن يوصل أفكاره فأبدع، واجتهد في آرائه فأصاب، فزّود مداد قلمه بالتجربة الغنية والأفكار الثرية ليُسجل كلمات تصل بالقارئ إلى ذروة النشوة والسعادة، وليكسر حواجز التردد، ويَشُدّ من العزائم لتحقيق الأهداف التي ترجوها النفوس المتطلعة لمستقبل واعد.
ففي كتاب من القطع المتوسط؛ غلافه ناصع البياض زيّنه بالجواهر البرّاقة والتي تعلوها وردة زرقاء ترمز للأمل، كتب د. ساجد مقالاته التي تبلغ 69 مقالا بروّية وتأنّ ليصيغ أفكارا جميلة بقالب أجمل، فبدأ عرض آماله وأحلامه السامية بأول مقال تحت عنوان "كن إيجابيا" والذي بظني الشخصي أنه يصلح أن يكون عنوانا آخر لهذا الكتاب.
فقال: " الإيجابية لا تعني مطلقا أن يخدع الإنسان نفسه فيقول إن الدنيا كلها ربيع وإن الجو بديع، فهذا ضرب من ضروب الحماقة، بل رميٌ بالنفس إلى التهلكة"، حتى قال أنّ: "الإيجابية الحقة تعني أن يثق الإنسان أن الأمور، مهما كان شكلها اليوم ومهما بلغت درجة تعقيدها وإيلامها، صائرة إلى الأحسن بإذن الله تعالى". وأضاف: "الإيجابية الحقة تعني أن على الإنسان عند مواجهته للمعوقات أن يفكر بالدروس الخفية، والحلول المحتملة، والثمرات المستخلصة منها، فيأخذها ويجعلها بذورا لمحاولات الغد السائرة به نحو النجاح، لا أن يجلس طوال الوقت يجتر مفردات المشكلة وتعقيداتها".
وهكذا بدأت الرحلة في سبر أغوار الكتاب، ليطوف بنا المؤلف بين العديد من المقالات المتنوعة تنّوع الموزاييك والذي يضفي جمالا أخاذا، فيشحذ الهمم، ويرفع الروح المعنوية ويحث على الأخلاق الحميدة. فأتبعه بمقال "أعمدة النجاح السبعة" والذي زخر بالفائدة ولخص فيه أفكار المبدعين في هذا المجال؛ أمثال ستيفن كوفي وزيج زيجلار وجون ماكسويل. ولقد أوجز أعمدة النجاح السبعة؛ والتي أسماها بذلك، لأنه يراها الأعمدة التي يقوم عليها صرح النجاح وبناؤه المتكامل، وهي كما يلي:
العمود الأول: أن يضع الإنسان لنفسه أهدافا في الحياة.
العمود الثاني: أن يضع الإنسان خطة لتحقيق الأهداف.
العمود الثالث: ترتيب الأولويات، وهذه من أهم خصائص الناجحين.
العمود الرابع: ويرتبط بسابقه، وهو أن يركز الإنسان وقته وجهده على الأولوية التي في يده.
العمود الخامس: فهو الحرص على الصحة الجسدية والتغذية السليمة.
العمود السادس: الاستمرار في التعلم والتدرب وتطوير الذات.
العمود السابع والأخير: ضرورة اهتمام الإنسان بالعلاقات الإنسانية في حياته. فمن المهم أن يتذكر الإنسان الساعي للنجاح أن صعوده السلم لا يجب أن يكون على حساب علاقته بأسرته وأهله وأصدقائه.
ثم يصل في رحلته إلى مقال يُحفّز العقل ويدفعه للتأمل والتفكير تحت عنوان "السيف والجوهرة والمرآة"، فافتتحه بأحد الموروثات الثقافية اليابانية والتي تنص على أن "القوة تقوم على ثلاث: قوة السيف وقوة الجوهرة وقوة المرآة" فأشار إلى أن قوة السيف هي القوة العسكرية أو الجسدية، وقوة الجوهرة هي القوة المالية، وأما قوة المرآة فهي قوة معرفة الذات والإلمام بقدرات النفس ومواطن ضعفها. حيث أكد أن قوة السيف والجوهرة لا تكفيان لبناء المجتمع والإنسان دون وجود القوة الثالثة، ذلك أن قوة المرآة "هي قوة معرفة الذات وإدراك حجمها وقدراتها هي القوة الأساس لأنها هي التي تهدي الأفراد والجماعات والدول إلى صناعة القوتين الأخريين وتطويرهما وتطويعهما".
ومع التدرج بالقراءة وصلت لمقال "الأمُيّات الأربع" والتي رتبها كما يلي:
أُميّة القدرة على القراءة والكتابة، وأُميّة القدرة على التحدث باللغة الإنكليزية، وأُميّة القدرة على استخدام الحاسوب، وأم الأميّات- كما أسماها- أُميّة القدرة على التفكير السليم، فهي الأهم والأخطر برأيه والتي بدونها لا يعرف الشخص طريقه للنجاح. فهي مفتاح الناجحين والمبدعين. ويقول أن هذه الأميّة من الممكن إزالتها بكل سهولة ويسر من خلال التعلم والتدريب المستمرين. لينتقل الكاتب بعدها بأفكاره مُحلّقا بمقال عنوانه "يطير المرء بهمته كما يطير الطائر بجناحيه" وفيه أورد بعض الأفكار الثمينة للدكتور سبنسر جونسون من خلال كتابه " الهدية".
ثم ما لبث أن حطّ الرحال عند مقال؛ أعتبره شخصيا، أحد العلامات الفارقة في كتابه بل وأحد جواهره، ألا وهو "يا صاحبي.. لننتظر ركود الطين"، وهو مقال لا أحب أن أوجزه فإما أن يٌؤخذ كُلّه أو يُترك جُلّه.
أخي القارئ؛ إن أقل ما تفعله هو أن تقرأ هذا الكتاب، فهو ينبض بالحياة ويعُجّ بالتجارب الإنسانية الغنيّة، وبين طياته كنوز ثمينة من الممكن الحصول عليها؛ فقط إن أنت أحسنت صنعا.
z_alweher@hotmail.com